وصف الرسول
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا
من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادى له
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له .. وأشهد أن محمد عبده ورسوله اللهم صلى وسلم وزد وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأحبابه وأتباعه وعلى كل من اهتدى بهديه واستن بسنته واقتفى أثره إلى يوم الدين .
أما بعد :
فحياكم الله جميعا أيها الأحبة الكرام وطبتم جميعا وطاب ممشاكم وتبوأتم من الجنة منزلا . وأسأل الله جل وعلا أن يجمعني وإياكم في هذه الدنيا دائما وأبداً على طاعته وفى الآخرة مع سيد الدعاة المصطفى في جنته ودار كرامته إنه ولى ذلك والقادر عليه .
أحبتي في الله :
إننا الليلة على موعد للحديث عن رسول الله ، وما أحلى أن يكون اللقاء معه ، وما أجمل أن تكون الكلمات عنه ، ورب الكعبة مهما أوتيتُ من فصاحة اللسان وبلاغة الأسلوب والتبيان ، فلم أستطع ولن أستطع أن أوفى الحبيب قدره .. كيف لا وهو حبيب الرحيم الرحمن .
قال تعالى : (وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَار) (القصص: من الآية68)
فلقد خلق الله الخلق واصطفى من الخلق الأنبياء ، واصطفى من الأنبياء الرسل واصطفى من الرسل أولي العزم الخمسة ، واصطفى من الخمسة إبراهيم ومحمداً عليهما الصلاة والسلام واصطفى محمداً على جميع خلقه .
زكاه ربه عز وجل . ومن زكَّاه ربه فلا يجوز لأحد من أهل الأرض قاطبةً أن يظن أنه يأتى في يوم من الأيام ليزكيه ، بل إن أي أحد وقف ليزكى رسول الله وليصف رسول الله وليتكلم عن قدر رسول الله فإنما يرفع من قدر نفسه ، ومن قدر السامعين لحديثه عن الحبيب المصطفى
زكَّاه ربه في كل شيء :
زكَّاه في عقله : فقال جل وعلا : ( مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى ) (النجم:2)
زكَّاه في بصره : فقال جل وعلا : ( مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى ) (النجم:17)
زكَّاه في صدره : فقال جل وعلا : ( أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَك َ) (الشرح:1)
زكَّاه في ذكره : فقال جل وعلا : ( وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ ) (الشرح:4)
زكَّاه في طهره : فقال جل وعلا : ( وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ ) (الشرح:2)
زكَّاه في صدقه : فقال جل وعلا : ( وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى ) (النجم:3)
زكَّاه في علمه : فقال جل وعلا : ( عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى ) (النجم:5)
زكَّاه في حلمه : فقال جل وعلا : ( بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ ) (التوبة: من الآية128)
وزكَّاه في كله فقال جل وعلا : ( وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ ) (القلم:4)
صلي الله عليه وآله صحبه وسلم ……
ومما زادني فخراً وتيها وكدت بأخمصى أطأ الثـُّرياَ
دخولي تحت قولك ياعبادى وأن أرسلت أحمد لي نبياً
من أنا ؟! ومن أنت ؟! لنتشرف أن يكون حبيبنا ونبينا ورسولنا هو محمد بن عبد الله المصطفى .
أيها الأحبة ..
إن كل مسلم صادق يحلو له ذكر الحبيب محمد .. ويحلو له أن يتصوره وأن يتخيله وأن يعيش بقلبه من خلال كتب الأثر .. مع وصف الحبيب . وكيف كانت حياته ؟ وكيف كان طعامه ؟ وكيف كان شرابه ؟ وكيف نومه ؟ وكيف كان ذكره ؟ وكيف كانت مشيته ؟ وما صفة وجهه ؟ وما صفة شعره ؟ وما صفة لحيته ؟ وما صفة صدره ؟ وما صفة قدمه ؟ كيف كان النبي ؟ ولم لا ؟! وقد أمرنا الله جل وعلا أن نقتفى أثره وأن نسير على دربه .. وأن نقلده في كل شيء
قال جل وعلا : ( لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ) (الأحزاب: من الآية21)
أنت مأمور أيها الموحد أن تسير على دربه ، وأن تقتفي أثره ، وأن تتبع سنته فهو حبيبك .. وهو قدوتك الطيبة .. وهو أسوتك الحسنة .
ولن تصل إلى الله جل وعلا إلا من طريقه .. ومن الباب الذي يوصلك منه الحبيب المصطفى .
أيها الأحبة : إن رسول الله بشر قال تعالى : ( قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ ) ولكنه لم يكن بشراً عادياً ، فمبلغ العلم أنه بشر ولكنه خير خلق الله كلهم ( قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ)
وهذا هو الفارق أنه يوحي إليه من ربه جل وعلا .. وهذه هي التي رفعت قدره .. وأعلت شأنه .. ورفعت مكانته عند الله جل وعلا وعند الخلق . ولن تنال شفاعته يوم القيامة إلا إذا اتبعت سنته وسرت على طريقته واقتفيت أثره .
قال سبحانه : ( قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (آل عمران:31)
فقد ثبت في الصحيحين من حديث جابر رضى الله عنه أنه قال :
(( جاءت ملائكة إلى النبي وهو نائم فقال بعضهم : إنه نائم وقال بعضهم : إن العين نائمة والقلب يقظان ، فقالوا : إن لصاحبكم هذا مثلاً ، قال فاضربوا له مثلاً ، قال بعضهم : إنه نائم ، وقال بعضهم : إن العين نائمة والقلب يقظان ، فقالوا : مثله كمثل رجل بنى داراً وجعل فيها مأدُبةً وبعث داعياً ، فمن أجاب الداعي دخل الدار وأكل من المأدبة ، ومن لم يجب الداعي لم يدخل الدار ولم يأكل من المأدبة ، فقالوا : أوِّلوها له يفقهها ، قال بعضهم : إنه نائم ، وقال بعضهم : إن العين نائمة والقلب يقظان ، فقالوا : فالدار الجنة والداعي محمد فمن أطاع محمداً فقد أطاع الله ، ومن عصى محمداً فقد عصى الله ومحمد فرَّق بين الناس )) 1
فمن آمن بالحبيب وصار على دربه واتبع سنته نال شفاعة الحبيب يوم القيامة ونال رفقته وصحبته في الجنة ، ومن خالف هدى الحبيب لم ينل شفاعته وحُرِمَ من هذه الرِّفعة وتلك الصُّحبة .
أسأل الله جل وعلا أن يمتعنا وإياكم بصحبته بحبنا له إنه ولى ذلك والقادر عليه .
فتعالوا بنا أيها الأحبة نَصفُ المصطفى كما نقل ذلك لنا صحابته رضوان الله عليهم ، فكما نُقلت إلينا سنته ، نُقِل إلينا أيضا وصفه وصفته .
أيها الأحبة : نبدأ بوجه النبي :
عن البراء رضى الله قال : ((كان رسول الله أحسن الناس وجهاً وأحسنه خلقاً ليس بالطويل البائن ولا بالقصير )) 2
وعن أنس بن مالك رضى الله عنه قال :
(( كان رسول الله أزهر اللون )) 3 . أي: أبيض مستنير مائل إلى الحُمرة .
وعن البراء بن عازب رضى الله عنه سئل :
(( أكان وجه رسول الله مثل السيف ؟ قال لا ، بل مثل القمر )) 1
وعن أبى سعيد الخدرى رضى الله عنه قال :
(( رأيت رسول الله وما على الأرض رجل رآه غيري . قيل له : كيف رأيته ؟ قال : أبيض مليحاً مُقصَّداً )) 2
وكان على بن أبى طالب يصف النبي وفيه :
(( فكان في وجهه تدوير ))3
وعن عبد الله بن كعب قال : سمعت كعب بن مالك يحدث حين تخلف عن تبوك قال : فلمَّا سلمت على رسول الله وهو يبرق وجهه من السرور وكان رسول الله إذا سُرَّ استنار وجهه حتى كأنه قطعة قمر وكنا نعرف ذلك منه 4
ومن مجموع هذه الآثار الصحيحة نجد أن النبي كان أحسن الناس وجها كالقمر ليلة البدر .. أبيضاً مليحاً ، في وجهه تدوير ، أزهر اللون أي أبيض مستنير مائل إلى الحمرة إذا سُرَّ استنار وجهه كأنه قطعة قمر .. الله أكبر .. هذا وجه الحبيب ..
اللهم صلى عليه واجمعنا به في الجنة .
وأخرج الدارمى والبيهقى عن جابر بن سمرة والحديث حسن بشواهده أنه قال :
رأيت النبي في ليلة أضحياه ( أي في ليلة مقمرة ) فجعلت أنظر إليه ، وأنظر إلى القمر ، أنظر إلى النبي ، وأنظر إلى القمر ثم قال : فو الله لقد كان النبي في عيني أحسن من القمر
وأخرج الدارمى والبيهقى والطبرانى وأبو نعيم والحديث أيضا حسن بالشواهد من حديث الربيع بنت معوذ رضى الله عنها : قيل لها صفى لنا رسول الله يا ربُيِّع . قالت : لو رأيت النبي لقلت أن الشمس طالعة .. الله أكبر … صلى اللهم وسلم وزد وبارك عليه
أما شعر النبي : عن قتادة رحمه الله قال : (( سألت أنساً رضى الله عنه عن شعر رسول الله ؟ فقال : شعر بين شعرين ، لا رجِلٌ ولا جَعدُ قططٌ كان بين أذنيه وعاتقه [1]
شعر رجل : إذا لم يكن شديد الجعودة ، ولا شديد السبوطة .
وفى رواية كان رَجِلاً وليس بالسَّبِطِ ولا الجعد ، بين أذنيه وعاتقه )) .
وفى أخرى : كان يضرب شعره منكبيه .
وفى رواية أبى داود : كان شعر رسول الله إلى شحمة أذنيه .
وفى رواية : إلى أنصاف أذنيه .
وعن عائشة رضى الله عنها قالت :
(( كنت اغتسل أنا ورسول الله من إناء ، وكان له شعر فوق الجُمَّة ودون الوفرة )) 2.
والوفرة : الشعر الواصل إلى شحمة الأذن .
والجُمَّة : الشعر الواصل بين المنكبين .
وعن عبد الله بن عباس رضى الله عنهما قال :
(( كان أهل الكتاب يسدلون أشعارهم ، وكان المشركون يفْرُقون ، وكان رسول الله يعجبُه موافقةُ أهل الكتاب فيما لم يُؤْمَرْ به ، فسدل رسول الله ناصيته ثم فرق بعد ))3
وسدل الشعر : إرساله و (يفرقون) مفرق الرأس : وسطه ، وفرق الشعر أي جعله فرقتين والناصية هي مقدم الرأس .
أحبتي في الله : نرى من مجموع هذه الآثار أن شعر النبي ليس بالسَّبِط أي الناعم شديد النعومة ولا الجعد أي الخشن ، وكان شعره يضرب منكبيه وكان يسدله ثم فَرَقَه وكان في شعره عشرين شعرة بيضاء كما جاء في صحيح مسلم عن عائشة رضى الله عنها قالت : (( مات رسول الله في الثلاثة والستين ولم يكن في شعره إلا عشرين شعرة بيضاء ))
وكان يقول (( شيَّبَتنى هود ، والواقعة ، والمرسلات ، وعمَّ يتساءلون ، وإذا الشمس كورت )) 4
وعن ربيعة بن أبى عبد الرحمن قال :
(( سمعت أنس بن مالك يصف النبي قال كان ربعة من القوم ، وليس بالطويل ولا بالقصير ، أزهر اللون ( مستنير ، وهو أحسن الألوان ، الزهرة : البياض النير ) ليس بأبيض أمهق ولا آدم ( أي ليس الأبيض الكريه البياض ولا شديد السمرة) ليس بجعد قطط ولا سبط رجلٍ أنزل عليه وهو ابن أربعين ، فلبث بمكة عشر سنين ينزل عليه ، وبالمدينة عشر سنين وقبض وليس في رأسه ولحيته إلا عشرون شعرة بيضاء ، قال ربيعة : فرأيت شعراً من شعره فإذا هو أحمر فسألت فقيل أحمر الطيب )) 1
وعن جرير بن عثمان رحمه الله قال : إنه سأل عبد الله بن بُسْرٍ قال : أرأيت رسول الله كان شيخاً ؟ قال : كان في عَنْفَقَتِه شعراتً بيض )) 2
والعنفق هي ما تحت الشفه السفلي .
أما عين النبي فكان أدعج العينين أي شديد سواد العينين إذا رأيته من بعيد تظن أنه مكتحل .
عن جابر بن سمرة رضى الله عنه قال : (( كان رسول الله ضليع الفم ، أشكل العينين ، منهوس العقبين ، ضخم القدمين )) 3
قيل لسماك : ما ضليع الفم ، قال عظيم الفم ، قيل : وما أشكل العينين ؟ قال طويل شق العين . قيل ما منهوس العقب ؟ قال قليل لحم العقب .
وعن جابر بن سمرة قال : (( كان في ساقي رسول الله حُمْوشةُ ، وكان لا يضحك إلا تبسماً ، وكنت إذا نظرتُ إليه فلت : أكحل العينين ، وليس بأكحل 4
وكان يكتحل بالإثمد كل ليلة في كل عين ثلاثة أطراف عند النوم .
وعن على رضى الله عنه قال في وصف النبي :
(( لم يكن بالطويل الممغَّط ( وهو الرجل البائن الطول) ولا بالقصير المتردد ، وكان ربعة من القوم ( رجل ربعة : معتدل القامة ، بين الطويل والقصير ) ولم يكن بالجعد القطط ولا بالسبط ، كان جعداً رجلاً ( أي أن شعره لم يكن شديد الجعودة ولا سائل ليس فيه شيء من الجعودة ) لم يكن بالمطهَّم ولا بالمكلثم ، وكان في وجهه تدوير ، أبيض مشرب بحمرة ، أدعج العينين ، أهدب الأشفار ( الذي شعر أجفانه كثير مستطيل) جليل المشاش ( عظيم رؤوس العظام : كالركبتين والمرفقين والمنكبين ونحو ذلك ) والمكند ( الكاهل) ، أجرد ، ذو مشربة ، شئن الكفين والقدمين ، إذا مشى تقلع كأنما يمشى من صبب ، إذا التفت التفت معاً ، بين كتفيه خاتم النبوة – وهو خاتم النبيين – أجود الناس صدراً ، وأصدق الناس لهجة ، وألينهم عريكة ، وأكرمهم عشرة ، من رآه بَدَيْههً هابه ، ومن خالطه معرفةً أحبه . يقول ناعته ( أي من وصفه قال ) لم أر قبله ولا بعده مثله ))1
وكان النبي أقنى الأنف أي طويل الأنف مع دقة الأرنبة يعنى أسفل الأنف .
أما فم المصطفى قد تقدم حديث جابر بن سمرة أنه كان ضليع الفم أى واسع الفم ، قالوا : والعرب تمدح بذلك وتذم صغر الفم وقيل واسع الفم من البلاغة فإذا كان الرجل ضليع الفم يكون بليغاً مفهوماً .
وكان سهل الخدين ليس فيهما تجاعيد أو غيره .
وكان مفلج الأسنان فلم تكن أسنانه متلاصقة ، وهذا أطيب للفم وأجمل ، وكان إذا رؤى وهو يتكلم ظن الناظر إليه كأن نور يخرج من بين ثناياه
والحديث رواه الترمذى من حديث ابن عباس وهو حديث حسن .
وكان كث اللحية كانت لحيته تملأ صدره .
ففي سنن الترمذى من حديث البراء بن عازب قال :
(( كان رسول الله مربوعاً ، عريض ما بين المنكبين كث اللحية ، تعلوه حمره ، جُمته إلى شحمة أذنه ، لقد رأيته في حُلَّةِ حمراءَ ، ما رأيت أحسن منه )) 2
وكان رحب القدمين والكفين كما تقدم من حديث جابر بن سمرة وعن أنس وأبى هريرة قال :
(( كان رسول الله ضخم القدمين ، حسن الوجه ، لم أر بعده مثله ))
وفى رواية عن أنس : (( ضخم اليدين ، لم أر قبله أو بعده مثله ))3
وفى أخرى : كان ضخم الرأس والقدمين ، لم أر بعده ولا قبله مثله ، وكان سيط الكفين وكان كف النبي ألين من الحرير .
عن أنس رضى الله عنه وفى صحيح البخاري قال :
ما مسست حريراً ولا ديباجاً ألين من كف رسول الله 4
وكان ضخم الكراديس كما في حديث علىّ المتقدم ، والكراديس كل عظمتين التقتا فى مفصل : فهو كردوس والجمع كراديس ، نحو الركبتين والمنكبين والوركين .
وكان : سواء البطن والصدر دون ارتفاع أو انخفاض بينهما ، أشعر المنكبين والذراعين وأعالي الصدر ذا مشربة وهى الشعر الدقيق من الصدر إلى السرة كالقضيب .
وكان بين كتفيه خاتم النبوة كزر الحجلة ، وكبيضة الحمامة .
عن جابر بن سمرة رضى الله عنه قال :
(( كان رسول الله قد شَمطَ مقَّدم رأسه ولحيته ، وكان إذا ادّهن لم يتبين فإذا شعث رأسُه تَبَيَّنَ ، وكان كثير شعر اللحية ، فقال رجل : وجهُه مثلُ السيف ؟ قال : لا ، بل مثل الشمس والقمر ، وكان مستديراً . قال : ورأيت الخاتم عند كتفيه مثل بيضة الحمام ، يشبه جسده 1
وكان صلى الله عليه وسلم إذا مشى كأنما تطوى له الأرض ويجدَّون في لحاقه وهو غير مكترث .
عن أبى هريرة رضى الله عنه قال :
(( ما رأيت أحسن من رسول الله كأن الشمس تجرى في وجهه ، قال : وما رأيت أحداً أسرع فى مشيه من رسول الله ، لكأنما الأرض تطوى له ، كنا إذا مشينا معه نجهد أنفسنا ، وإنه لغير مُكْتَرِث )) 2
وكان إذا التفت التفت جميعاً ومعناه أنه كان لا ينظر من طرف عينه وهذه من علامات التواضع ، فكان خافض الطرف ، نظره إلى الأرض أكثر من نظره إلى السماء
أما كلامه فتدبر ما تقول أم المؤمنين عائشة الصديقة بنت الصديق رضى الله عنها : قالت : (( أن النبي كان يحدث لو عَدَّهُ العادّ لأحصاه )) 3
وفى سنن الترمذى قالت رضى الله عنها :
(( ما كان رسول الله يسرد كسردكم هذا ، ولكنه كان يتكلم بكلام يُبِّينُهُ ، فصل ، يحفَظُهُ من جلس إليه ))4
وعنها رضى الله عنها قالت ( كان كلام رسول الله كلام فصل يفهمه كل من سمعه)) 5
اللهم صلى وسلم وزد وبارك عليه وعلى آله وصحبه وسلم
أما عرقه فتدبر ما يقوله أنس رضى الله عنه :
يقول أنس : كان يدخل بيت أم سليم ، فينام على فراشها وليست فيه . قال : فجاء ذات يوم فنام على فراشها ، فأتيت ، فقيل لها : هذا النبي نائم في بيتك على فراشك ؟
قال : فجاءت وقد عرق ، واستنقع عرقه على قطعة أديم على الفراش . ففتحت عتيدتها ، فجعلت تنشف ذلك العرق فتعصره في قواريرها ، ففزع النبي ، فقال : ما تصنعين يا أم سليم ؟ فقالت : يا رسول الله ، نرجو بركته لصبياننا ، قال أصبت .
وفى رواية قالت (( هذا عرقك نجعله في طيبنا وهو أطيب الطيب ))
وفى رواية قالت : (( أجعل عرقك في طيبي ، فضحك رسول الله )) 1 وأخرج الإمام أحمد والبيهقى عن على بن أبى طالب قال :
كان العرق في وجهه كحبات اللؤلؤ))
فكان عندما ينزل عليه الوحي في الليلة الباردة يتناثر على وجهه العرق كحبات اللؤلؤ .
أما شجاعته :
فتدبر ما يقوله فارس الفرسان وقائد القواد على بن أبى طالب يقول : كنا إذا حمى الوطيس واشتدت المعركة اتقينا برسول الله فكان إذا دخل أرض المعركة وميادين النزال كان الصحابة رضوان الله عليهم يتقون به شدة الضربات وأنتم تعلمون ماذا فعل النبي يوم حنين ، وماذا فعل يوم أحد . وماذا فعل النبي يوم بدر . اللهم صلى وسلم وزد وبارك عليه وعلى آله وصحبه وسلم .
فقد كان أشجع الناس
يقول أنس بن مالك رضى الله عنه :
(( كان رسول الله أحسن الناس وجهاً ، وكان أجود الناس ، وكان أشجع الناس ، ولقد فزع أهل المدينة ذات ليلة ، فانطلق ناسٌ من قبل ، فتلقاهم رسول الله راجعا ، وقد سبقهم إلى الصوت .
وفى رواية : وقد إستبرأ الخبر – وهو على فرس لأبى طلحة عُرْىٍ ، في عنقه السيف ، وهو يقول : لن تراعوا ، قال : وجدناه بحراً- أو أنه لبحر قال : وكان فرساً تُبَطَّأُ )) 2
أما خلقه فقد وصفه ربه بقوله :
( وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ ) .
تقول السيدة عائشة رضى الله عنها :
(( ما خير رسول الله بين أمرين قط ، إلا أخذ أيسرهما ، ما لم يكن إثما ، فإن كان إثما كان أبعد الناس عنه ، وما انتقم رسول الله لنفسه في شيء قط إلا أن تنتهك حرمة الله فينتقم ))1
وعن أنس رضى الله عنه قال :
(( كان النبي إذا استقبله الرجل فصافحه لا ينزع يده من يده ، حتى يكون الرجلُ ينزع يده ، ولا يصرف وجهه عن وجهه ، حتى يكون الرجلُ هو يصرفه ، ولم يُرَ مُقدِّما ركبته بين يدي جليس له ))2
وعنه رضى الله عنه قال :
(( كانت الأمَةُ من إماء المدينة لتأخذ بيد رسول الله فتنطلق به حيث شاءت )) 3
وعن الأسود بن يزيد النخعى رحمه الله قال :
سألت عائشة رضى الله عنها : ما كان رسول الله يصنع في بيته ؟ قالت : يكون في مهنة أهلة ‘ فإذا حضرت الصلاة يتوضأ ويخرج إلى الصلاة )) 4
واسمع إلى أنس بن مالك خادم النبي يقول :
خدمت النبي عشر سنين ، والله ما قال لي أفٍّ قط ،ولا قال لشيء لم فعلت كذا ؟ وهلا فعلت كذا ))5
وعن أنس بن مالك رضى الله عنه أيضاً قال :
كان رسول الله أحسن الناس خُلُقاً ، وكان لي أخ يقال له : أبو عمير – وهو فطيم – كان إذا جاءنا (( قال : يا أبا عمير ، ما فعل النغير ))
، لنغير كان يلعب به فمات ، فدخل النبي ذات يوم ، فرآه حزينا ، فقال : ما شأنه ؟ قالوا : مات نَغْرُه ، فقال :
(( يا أبا عمير ، ما فعل النُّغير ؟ 1
هكذا كان …. وهكذا كان خلقه
أسأل الله جل وعلا أن يجعلني وإياكم ممن أحبوا الحبيب واقتفوا أثر الحبيب وساروا على دربه واتبعوا سنته ..
…………. الدعاء
--------------------------------------------------------------------------------
1 -رواه البخاري رقم (7281) في الاعتصام بالكتاب والسنة ، باب الاقتداء بسنن رسول الله
2 -رواه البخاري (6/416,415) في الأنبياء ، باب صفة النبي ومسلم رقم (2337) في الفضائل ، باب في صفة النبي وإنه كان أحسن الناس وجهاً، وأبو داود رقم (4186,4185,4184,4183) في الترجل ، باب ما جاء في الشعر ، والترمذى رقم (3639) في المناقب ، باب في صفة النبي ، والنسائي (8/183) في الزينة باب اتخاذ الجمعة .
3 –رواه البخاري (10/420) في الأنبياء ، باب صفة النبي ، ومسلم رقم (2330) في الفضائل ، باب طيب رائحة النبي ولين مسه ، والترمذى رقم (2016) في البر والصلة ، باب ما جاء في خلق النبي .
1 – رواه البخاري (6/416) في الأنبياء ، باب صفة النبي ، والترمذى رقم (3640) في المناقب ، باب صفة النبي
2 –رواه مسلم رقم (2340) في الفضائل ، باب صفة النبي ، أبو داود رقم (4864) في الأدب ، باب في هدى الرجل .
3 –رواه الترمذى رقم (3642,3641) في المناقب ، باب رقم 18 وحسنه شيخنا شعيب الأرناؤوط في تخريج جامع الأصول
4 –رواه البخاري (5/289) في الوصايا ، ومسلم رقم (2769) في التوبة ، باب حديث توبة كعب بن مالك والترمذى رقم (3101) في التفسير ، باب ومن سورة براءة ، وأبو داود رقم (2202) في الطلات ، وفى الجهاد والنسائي (6/152) في الطلاق ، باب الحقي بأهلك وفى النذور ، وأخرجه أحمد (3/460,459) .
[1]- رواه البخاري (10/302) في اللباس ، باب الجعد ، وفى الأنبياء ، باب صفة النبي ، ومسلم رقم (2338) في الفضائل ، باب صفة شعر النبي ، وأبو داود رقم (4186,4185) في الترجل ، باب ما جاء في الشعر ، والنسائي (8/183) في الزينة ، باب اتخاذ الجمة .
2 – رواه أبو داود رقم (4187) في الترجل ، باب ما جاء في الشعر ، والترمذى رقم 1750 في اللباس ، باب ما جاء الجمة واتخاذ الشعر وصححه شيخنا الألباني في صحيح سنن أبو داود رقم (70) .
3 – رواه أبو داود رقم 4191 في اللباس ، باب في البعل يعفص شعره ، والترمذى رقم (1782) في اللباس ، باب رقم 39 وهو حديث حسن .
4 – رواه الترمذى رقم (3293) في التفسير ، باب ومن سورة الواقعة وصححه شيخنا الألباني في الصحيحة رقم (955).
1 – رواة البخاري (6/413,412) في الأنباء ، باب صفة النبي ، وفى اللباس باب الجعد ، ومسلم رقم (2347) في الفضائل ، باب في صفة النبي (( ومبعثه وسنه ، والموطأ (2/919) في صفة النبي باب ما جاء في صفة النبي ، والترمذى رقم (3627) في المناقب ، باب رقم (6)
2 – رواه البخاري (6/412) في الأنبياء ، باب صفة النبي
3 –رواه مسلم رقم (2339) في الفضائل ، باب صفة فم النبي وعينيه وعقبيه ، والترمذى رقم (3649) في المناقب ، باب رقم (25) .
4 –رواه الترمذى رقم (3648) في المناقب ، باب ما جاء في صفة النبي وهو حديث حسن .
1 – رواه الترمذى رقم (3642,3641) في المناقب ، باب رقم 18 وهو حديث حسن .
2 –رواه الترمذى رقم (3639) في المناقب ، باب صفة النبي .
3 –رواه البخاري (6/413,412) في الأنبياء ، باب صفة النبي ، وفى اللباس ، باب الجعد ، ومسلم رقم (2347) في الفضائل ، باب في صفة النبي ، ومبعثه وسنته ، والموطأ 2/919 في صفة النبي باب ما جاء في صفة النبي ، والترمذى رقم (3627) في المناقب ، باب رقم (6) .
4 –رواه البخاري (10/420) في الأنبياء ، باب صفة النبي ، ومسلم رقم (233) في الفضائل ، باب طيب رائحة النبي ولين مسه ، والترمذى رقم (3016) في البر والصلة ، باب ما جاء في خلق النبي
1 –رواه مسلم رقم (2344) في الفضائل ، باب شيبة ، والنسائي (8/150) في الزينة ، باب الدهن .
2 – أخرجه الترمذى رقم (3650) في المناقب ، باب رقم 26 .
3 -4 – رواه البخاري (6/422) في الأنبياء ، باب صفة النبي ، ومسلم رقم (2493) في فضائل الصحابة ، باب من فضائل أبى هريرة ، وفى الزهد ، باب التثبت في الحديث ، والترمذى رقم (3643) في المناقب ، باب رقم (20) ، وأبو داود رقم (3655,3654) في العلم ، باب في سرد الحديث .
5 –رواه أبو داود رقم (4839) في الأدب ، باب الهدى في الكلام ، وإسناده حسن
1–رواه البخاري (11/59) في الاستئذان ، باب من زار قوما فقال عندهم ، ومسلم (2331) في الفضائل باب طيب عرق النبي والتبرك به ، والنسائي (8/218) في الزينة ، باب ما جاء في الأنطاع .
2 – رواه البخاري (6/44) في الجهاد ، باب اسم الفرس والحمار ، وباب الحمائل وتعليق السيف بالعنق ومسلم رقم (2307) في الفضائل ، باب في شجاعة النبي وتقدمه للحرب ، وأبو داود رقم (4988) في الأدب باب رقم (87) ، والترمذى رقم (1685) في الجهاد ، باب ما جاء في الخروج عند الفزع .
1 –رواه البخاري (6/419) في الأنبياء ، باب صفة النبي ، وفى الأدب ، باب قول النبي (( يسروا ولا تعسروا )) وفى الحدود ، باب إقامة الحدود و الانتقام لحرمات الله ، وفى المحاربين ، باب كم التعزيز والأدب ، ومسلم رقم (2327) في الفضائل ، باب مباعدته للآنام ، والموطأ 2/903 في حسن الخلق ، باب ما جاء في حسن الخلق ، وأبو داود رقم (4785) في الأدب ، باب في التجاوز في الأمر .
2 – رواه أبو داود رقم (4794) في الأدب باب في حسن العشرة والترمذى رقم (2492) في صفة القيامة باب رقم (47) ، وهو حديث حسن .
3 – رواه البخاري (10/408) في الأدب ، باب الكبر .
4 – رواه البخاري (5/137,136) في الآذان ، باب من كان في حاجة أهله فأقيمت الصلاة فخرج والترمذى رقم (2491) في صفة القيامة ، باب رقم 46 .
5 –رواه البخاري (10/384,383) في الأدب ، باب حسن الخلق والسخاء ، ومسلم رقم (2309) في الفضائل ، باب كان رسول الله أحسن الناس خلقاً ، وأبو داود رقم (4774) في الأدب ، باب في الحلم .
1 – رواه البخاري (10/436) في الأدب ، باب الانبساط إلى الناس ، وباب الكنية للصبى وقبل أن يولد الرجل ، ومسلم رقم (2150) في الأدب ، باب استحباب تحنك المولود عند ولادته ، وأبو داود رقم (4969) في الأدب ، باب ما جاء في الرجل يتكنى وليس له ولد ، والترمذى رقم (333) في الصلاة باب في الصلاة على البسط .