حمل الجنازة واتباعها
44 - ويجب حمل اجنازة واتباعها ، وذلك من حق الميت المسلم على المسلمين ، وفي ذلك أحاديث ، أذكر اثنين منها :
الاول : قوله صلى الله عليه وسلم : " حق المسلم ( وفي رواية : يجب المسلم على أخيه ) خمس : رد السلام ، وعيادة المريض ، واتباع الجنائز ، وإجابة الدعوة ، وتشميت العاطس " . أخرجه البخاري ( 3/88 ) والسياق له ، ومسلم ( 7/3 ) بالرواية الثانية وابن ماجه ( 1/439 ) وابن الجارود ( 261 ) وأحمد ( 2/372 ، 412 ، 540 ) ، وقال في رواية له : " ست " . وزاد : " وإذا استنصحك فانصح له " ، وهي رواية لمسلم أيضا ، أخرجوه كلهم من حديث أبي هريرة .
وفي الباب عن البراء بن عازب عند الشيخين وغيرهما .
الثاني : قوله أيضا : " عودوا المريض ، واتبعوا الجنائز ، تذكر كم الاخرة " . أخرجه ابن أبي شيبة في " المصنف " ( 4 / 73 ) والبخاري في " الادب المفرد " ( ص 75 ) وابن حبان في " صحيحه " ( 709 - موارد ) والطيالسي ( 1 / 224 ) وأحمد ( 3 / 27 ، 32 ، 48 ) والبغوي في " شرح السنة " ( 1 / 166/ 1 ) من حديث أبي سعيد الخدري . قلت : وإسناده حسن . وله شاهد من حديث عوف بن مالك بدون الجملة الاخيرة . رواه الطبراني . راجع " المجمع " ( 2/ 299 ) .
44 - واتباعها على مرتبتين :
الاولى : اتباعها من عند أهلها حتى الصلاة عليها .
والاخرى : اتباعها من عند أهلها حتى يفرغ من دفنها . وكل منهما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فروى أبو سعيد الخدري رضي الله عنه قال : " كنا مقدم النبي صلى الله عليه وسلم ( يعني المدينة ) ، إذا حضر منا الميت آذنا النبي صلى الله عليه وسلم ، فحضره واستغفر له ، حتى إذا قبض ، انصرف النبي صلى الله عليه وسلم ومن معه حتى يدفن ، وربما طال حيس ذلك على النبي صلى الله عليه وسلم ، فلما خشينا مشقة ذلك عليه ، قال بعض القوم لبعض : لو كنا لا نؤذن النبي صلى الله عليه وسلم بأحد حتى يقبض ، فإذا قبض آذناه ، فلم يكن عليه في ذلك مشقة ولا خبس ، ففعلنا ذلك ، وكنا نؤذنه بالميت بعد أن يموت ، فيأتيه فيصلي عليه ، فربما انصرف ، وربما مكث حتى يدفن الميت ، فكنا على ذلك حينا ، ثم قلنا لو لم يشخص النبي صلى الله عليه وسلم ، وحملنا جنازتنا إليه حتى يصلي عليه عند بيته لكان ذلك أرفق به ، فكان ذلك الامر إلى اليوم " . أخرجه ابن حبان في صحيحه ( 753 - مورد ) والحاكم ( 1/353 - 364 - 365 ) وعنه البيهقي ( 3/74 ) وأحمد ( 3/66 ) بنحوه ، وقال الحاكم : " صحيح على شرط الشيخين " وإنما هو صحيح فقط ، لان فيه سعيد بن عبيد بن السباق ، ولم يخرجا له شيئا .
45 - ولا شك في أن المرتبة الاخرى أفضل من الاولى لقوله صلى الله عليه وسلم : " من شهد الجنازة ( من بيتها ) ، ( وفي رواية من ابتع جنازة مسلم إيمانا واحتسابا ) حتى يصلى عليها فله قيراط ، ومن شهد ها حتى تدفن ، ( وفي الرواية الاخرى : يفرغ منها ) فله قيراطان ( من الاجر ) ، قيل : ( يارسول الله ) وما القيراطان ؟ قال : مثل الجبلين العظيمين . ( وفي الرواية الاخرى : كل قيراط مثل أحد ) " . أخرجه البخاري ( 1 / 89 - 90 ، 3 / 150 ، 154 ) ومسلم ( 3 / 51 - 52 ) وأبو داود ( 2 / 63 - 64 ) والنسائي ( 1 / 282 ) والترمذي ( 2 / 150 ) وصححه ، وابن ماجه ( 1 / 467 - 468 ) وابن الجارود ( 261 ) والبيهقي ( 3 / 412 - 413 ) والطيالسي ( 2581 ) وأحمد ( 2 / 233 ، 246 ، 320 ، 401 ، 458 ، 470 ، 474 493 ، 521 ، 531 ) من طرق كثيرة عن أبي هريد رضي الله عنه .
والرواية الثانية للبخاري والنسائي وأحمد . والزيادة الاولى لمسلم وأبي داود وغيرها ، والزيادتان الاخريان للنسائي . وللحديث شواهد عن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم . الاول : عن ثوبان عند مسلم والطيالسي ( 985 ) وأحمد ( 5/276 - 277 ، 282 - 283 - 284 ) .
الثاني والثالث : عن البراء بن غازب لث : عن البراء بن عازب وعبد الله بن مغفل ، عند النسائي وأحمد ( 4/86 ، 294 ) .
الرابع : عن أبي سعيد الخدري . رواه أحمد ( 3/20 ، 27 ، 97 ) من طريقين عنه . وله شواهد أخرى ذكرها الحافظ في " الفتح "
( 3 / 153 ) .
وفي بعض الشواهد عن أبي هريرة زيادات مفيدة لعله من المستحسن ذكرها :
" وكان ابن عمر يصلي عليها ، ثم ينصرف ، فلما بلغه حديث أبي هريرة قال : ( أكثر علينا أبو هريرة ، ( وفي رواية : فتعاظمه ) ) ، ( فإرسل خبابا إلى عائشة يسألها عن قول أبي هريرة ثم يرجع إليه فيخبره ما قالت ، وخذ ابن عمر قبضة من حصى المسجد يقلبها في يده حتي رجع إليه الرسول ، فقال : قالت عائشة : صدق أبو هريرة ، فضرب ابن عمر بالحصى الذي كان في يده الارض ثم قال : ) لقد فرطنا في قراريط كثيرة ، ( فبلغ ذلك أبا هريرة فقال : إنه لم يكن يشغلني عن رسول الله صلى الله عليه وسلم صفقة السوق ، ولا غرس الودي1 ، إنما كنت ألزم النبي صلى الله عليه وسلم لكلمة يعلمنيها ، وللقمة يطعمنيها ) ، ( فقال له ابن عمر : أنت يا أبا هريرة كنت ألزمنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأعلمنا بحديثه ) " . هذه الزيادات كلها لمسلم ، إلا الاخيرة ، فهي لاحمد ( 2/2 - 3 ، 387 ) وكذا سعيد بن منصور بإسناد صحيح كما قال الحافظ في " الفتح " ، والتي قبلها للطيالسي وسندها صحيح على شرط مسلم ، والزيادة الثانية للشيخين ، والرواية الثانية فيها للترمذي وأحمد .
والزيادة الاخيرة صريحة بأن ابن عمر رضي الله عنه اتصل عنه اسصل بنفسه بأبي هريرة ، ويؤيده ما في رواية لمسلم وغيره بلفظ : فقال ابن عمر : أبا هر انظر ما تحدث عن رسول الله عليه وسلم ، فقام إليه أبو هريرة حتى انطلق به إلى عائشة ، فقال لها ، يا أم المؤمنين أنشدك بالله أسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( فذكر الحديث ) ، فقالت : اللهم نعم ، فقال أبو هريرة : إنه لم يكن . . الخ . فظاهر هذا كله يخالف رواية أنه أرسل خبابا إلى ابن عمر . وجمع الحافظ ابن حجر بين الروايتين بأن الرسول لما رجع إلى ابن عمر يخبر عائشة بلغ ذلك أبا هريرة ، فمشى إلى ابن عمر فأسمعه ذلك من عائشة مشافهة . ولابي هريرة رضي الله عنه حديث آخر في فضل شهود الجنازة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من أصبح منكم اليوم صائما ؟ قال أبو بكر : أنا ، قال : من عاد منكم اليوم مريضا ؟ قال أبو بكر : أنا ، قال : من شهد منكم اليوم جنازة ؟ قال أبو بكر : أنا قال : من أطعم اليوم مسكينا ؟ قال أبو بكر : أنا ، قال صلى الله عليه وسلم : ما اجتمعت هذه الخصال في رجل في يوم إلا دخل الجنة " . أخرجه مسلم في " صحيحه " ( 3 / 92 ، 7 / 110 ) والبخاري في " الادب المفرد " ص 75
46 - وهذا الفضل في اتباع الجنائز ، إنما هو للرجال دون النساء لنهي النبي صلى الله عليه وسلم لهن عن اتباعها ، وهو ني تنزيه ، فقد قالت أم عطية رضي الله عنها : " كنا ننهى ( وفي رواية : نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم ) عن اتباع الجنائز ، ولم يعزم علينا " . أخرجه البخاري ( 1/328 - 329 ، 3/162 ) ومسلم ( 3/47 ) والسياق له ، وأبو داود ( 2/63 ) وابن ماجه ( 1/ 487 ) وأحمد ( 6/408 ، 409 ) وكذا البيهقي ( 4 / 77 ) والاسماعيلي والرواية الاخرى له ، وهي رواية للبخاري تعليقا .
47 - ولا يجوز أن تتبع الجنائز ، بما يخالف الشريعة ، وقد جاء النص فيها على أمرين : رفع الصوت بالبكاء ، واتباعها بالبخور ، وذلك في وقوله صلى الله عليه وسلم : " لا تتبع الجنازة بصوت ولا نار " . أخرجه أبو داود ( 2/64 ) وأحمد ( 2/427 ، 528 ، 532 ) من حديث أبي هريرة . وفي سنده من لم يسم ، لكنه يتقوى بشواهده المرفوعة ، وبعض الاثار الموقوفة .
أما الشواهد ، فعن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يتبع الميت صوت أو نار ، قال الهيثمي ( 3 / 29 ) : " رواه أبو يعلى ، وفيه من لاذكر له " .
وعن ابن عمر قال : " نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تتبع جنازة معها رانة " . أخرجه ابن ماجه ( 1 / 479 - 480 ) وأحمد ( 5668 ) من طريقين عن مجاهد عنه . وهو حسن بمجموع الطريقين .
وعن أبي موسى في النهي عن اتباع الميت بمجمر . وقد تقدم لفظه في المسألة ( 21 ) فقرة ( ب ) ، ( ص8 )
وأما الاثار ، فعن عمرو بن العاص أنه قال في وصيته : " فإذا أنا مت فلا تصحبني نائحة ولا نار " . أخرجه مسلم ( 1 / 78 ) وأحمد ( 4 / 199 ) .
وعن أبي هريرة أنه قال حين حضره الموت : " لا تضربوا علي فسطاطا ، ولا تتبعوني بمجمر ( وفي رواية : بنار ) " . رواه أحمد وغيره بسند صحيح كما يأتي بعد مسألة ، الحديث الثاني .
48 - ويلحق بذلك رفع الصوت بالذكر أمام الجنازة ، لانه بدعة ، ولقول قيس ابن عباد : " كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يكرهون رفع الصوت عند الجنائز " . أخرجه البيهقي ( 4 / 74 ) بسند رجاله ثقات .
ولان فيه تشبها بالنصارى فإنهم يرفعون أصواتهم بشئ من أنا جيلهم وأذكارهم مع التمطيط والتلحين والتحزين2 .
وأقبح من ذلك تشييعها بالعزف على الالات الموسيقية أما مها عزفا حزينا كما يفعل في بعض البلاد الاسلامية تقليدا للكفار . والله المستعان .
49 - ويجب الاسراع في السيربها ، سيرا دون الرمل ، وفي ذلك أحاديث :
الاول : " أسرعوا بالجنازة فإن تك صالحة فخير تقدمونها ، وإن تكن غير ذلك فشر تضعونه عن رقابكم " . أخرجه الشيخان ، والسياق لمسلم ، وأصحاب السنن الاربعة ، وصححه الترمذي وأحمد ( 2/240 ، 280 ، 488 ) والبيهقي ( 4/ 21 ) من طرق عن أبي هريرة ، وله حديث آخر بنحو الاتي .
الثاني : " إذا وضعت الجنازة ، واحتملها الرجال على أعناقهم ، فإن كانت صالحة قالت : قدموني ( قدموني ) ، وإن كانت غير صالحة قالت : يا ويلها أين يذهبون بها ؟ يسمع صوتها كل شئ إلا الانسان ، ولو سمعه ( لـ ) صعق " . أخرجه البخاري ( 3/142 ) والنسائي ( 1/270 ) والبيهقي وأحمد ( 3/41 ، 58 ) عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه .
والزيادة للنسائي ، وللبيهقي منهما الأولى ، ولأحمد الأخرى .
ويشهد للزيادة الاولى حديث أبي هريرة أنه قال حين حضره الموت : " لا تضربوا علي فسطاطا ، ولا تتبعوني بمجمر ، وأسر عوا بي ، فإني سمعت رسول الله صلى اله عليه وسلم يقول : " إذا وضع الرجل الصالح على سريره ، قال : قدموني . . . " الحديث نحوه ، دون قوله يسمع صوتها . . . أخرجه النسائي وابن حبان في صحيحه ( 764 ) والبيهقي والطيالسي ( رقم 2336 ) وأحمد ( 2 / 292 ، 274 ، 500 ) بإسناد صحيح على شرط مسلم .
الثالث : عن عبد الرحمن بن جوشن قال : " كنت في جنازة عبد الرحمن بن سمرة ، فجعل زياد ورجال من مواليه يمشون على أعقابهم أمام السرير ، ثم يقولون : رويدا رويدا بارك الله فيكم : فلحقهم أبو بكرة في بعض سكك المدينة فحمل عليهم بالبغلة ، وشد عليهم بالسوط ، وقال : خلوا والذي أكرم وجه أبي القاسم صلى الله عليه وسلم لقد رأيتنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم لنكاد أن نرمل بها رملا " . أخرجه أبو داود ( 2 / 65 ) والنسائي ( 1 / 271 ) والطحاوي ( 1 / 276 ) والحاكم ( 1 / 255 ) والبيهقي ( 4 / 22 ) والطيالسي ( 883 ) وأحمد ( 5 / 36 - 38 ) قال الحاكم : " صحيح " . ووافقه الذهبي ، ومن قبله النووي في " المجموع " ( 5 / 272 ) 3
50 - ويجوز المشي أمامها وخلفها ، وعن يمينها ويسارها ، على أن يكون قريبا منها ، إلا الراكب فيسير خلفها ، لقوله صلى الله عليه وسلم : " الراكب ( يسير ) خلف الجنازة ، والماشي حيث شاء منها ، ( خلفها وأمامها ، وعن يمينها ، وعن يسارها ، قريبا منها ) ، والطفل يصلى عليه ، ( ويدعى لوالديه بالمغفرة والرحمة ) " . أخرجه أبو داود ( 2/65 ) والنسائي ( 1/275 - 276 ) والترمذي ( 2/144 ) وابن ماجه ( 1 /451 ، 458 ) والطحاوي ( 1/278 ) وابن حبان في " صحيحه " ( 769 ) والبيهقي ( 84 ، 25 ) والطيالسي ( 701 - 702 ) وأحمد ( 4 / 247 ، 248 - 249 ، 249 ، 252 ) من حديث المغيرة بن شعبة ، وقال الترمذي : " حديث حسن صحيح " .
وقال الحاكم : " صحيح على شرط البخاري " . ووافقه الذهبي . وهو كما قالا . والسياق للنسائي وأحمد في رواية .
والزيادات الثلاث لابي داود والحاكم والطيالسي ، ولاحمد الاوليان منها ، وللبيهقي الثالثة . وقال أبو داود وابن حبان : " السقط " بدل " الطفل " وهو رواية للحاكم والبيهقي وأحمد ، وعزاها الحافظ في " التلخيص " ( 5/147 ) للترمذي أيضا ، وهو وهم فإنما لفظه عنده كلفظ الجماعة .
51 - وكل من المشي أمامها وخلفها ، ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فعلا ، كما قال أنس بن مالك رضي الله عنه : " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر كانوا يمشون أمام الجنازة وخلفها " . أخرجه الطحاوي ( 1 / 278 ) من طريقين عن يونس بن يزيد عن ابن شهاب عن . قلت : وهذا سند صحيح على شرط الشيخين4 .
51 - لكن الافضل المشي خلفها ، لانه مقتضى قوله صلى الله عليه وسلم : " واتبعو الجنائز " ، وما في معنا ه مما تقدم في المسألة ( 43 ) أول هذا الفصل . ويؤيده قول علي رضي الله عنه : " المشي خلفها أفضل من المشي أمامها ، كفضل صلاة الرجل في جماعة على صلاته فذا " . أخرجه ابن أبي شيبة في " المصنف " ( 4 / 101 ) والطحاوي ( 1 / 279 ) والبيهقي ( 4 / 9 25 وأحمد ( 754 ) وكذا ابن حزم في " المحلى " ( 5 / 165 ) وسعيد بن منصور من طريقين عنه ، قال الحافظ ( 3 / 143 ) في أحدهما : " وإسناده حسن ، وهو موقوف له حكم المرفوع ، لكن حكى الاثرم عن أحمد أنه تكلم في إسناده " . قلت : لكنه يتقوى بالطريق الاخر5 .
52 - ويجوز الركوب بشرط أن يسير وراء ها لقوله صلى الله عليه وسلم : " الراكب يسير خلف الجنازة . . " . وقد مضى ذلك بتمامه في المسألة ( 50 ) . لكن الافضل المشي ، لانه المعهور عنه صلى الله عليه وسلم ، ولم يرد أنه ركب معها بل قال ثوبان رضي الله عنه : " إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتي بدابة وهو مع الجنازة فأبى أن يركبها ، فلما انصرف أتي بدابة فركب ، فقيل له ؟ فقال : إن الملائكة كانت تمشي فلم أكن لاركب وهم يمشون ، فلما ذهبوا ركبت " . أخرجه أبو داود ( 2 / 64 - 65 ) والحاكم ( 1 / 355 ) والبيهقي ( 4 / 23 ) وقال الحاكم : " صحيح على شرط الشيخين " . ووافقه الذهبي وهو كما قالا .
53 - وأما الركوب بعد الانصراف عنها فجائز ، بدون كراهة لحديث ثوبان المذكور آنفا ، ومثله حديث جابر بن سمرة رضي الله عنه قال : " صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على ابن الدحداح ( ونحن شهود ) ، ( وفي رواية : خرج على جنازة ابن الدحداح ( ماشيا ) ) ، ثم أتي بفرس عري ، فعقله رجل فر كبه ( حين انصراف ) ، فجعل يتوقص به6 ، ونحن نتبعه نسعى خلفه ، ( وفي رواية : حوله ) قال : فقال رجل من القوم : إن النبي صلى الله عليه وسلم قال : كم من عذق معلق أو مدلى في الجنة لابن الدحداح " . أخرجه مسلم ( 2/60 - 61 ) والسياق له ، وأبو داود ( 2/65 ) والنسائي ( 1/284 ) والترمذي ( 2/ 138 ) وصححه ، والبيهقي ( 4 / 22 - 23 ) والطيالسي ( 760 - 761 ) وأحمد ( 5/ 98 - 99 ، 102 ) من طرق عن سماك بن حرب عنه . والرواية الثانية للنسائي ، والزيادة فيها للترمذي في إحدى روايتيه ، ومعناها للطيالسي . والرواية الثالثة لابي داود والترمذي ، ولمسلم والبيهقي وأحمد في رواية لهم . والزيادة الاولى للنسائي والاخرى لابي داود7 .
54 - وأما حمل الجنازة على عربة أو سيارة مخصصة للجنائز ، وتشييع المشيعين لها وهم في السيارات ، فهذه الصورة لا تشرع البتة ، وذلك لامور :
الاول : أنها من عادات الكفار ، وقد تقرر في الشريعة أنه لا يجوز تقليدهم فيها . وفي ذلك أحاديث كثيرة جدا ، كنت أستوعبتها وخرجتها في كتابي " حجاب المرأة المسلمة في الكتاب والسنة " ، بعضها في الامر والحض على مخالفتهم في عباداتهم وأزيائهم وعاداتهم ، وبعضها من فعله صلى الله عليه وسلم في مخالفتهم في ذلك ، فمن شاء الاطلاع عليها فليرجع إليه8 .
الثاني : أنها بدعة في عبادة ، مع معارضتها للسنة العملية في حمل الجنازة ، وكل ماكان كذلك من المحدثات ، فهو ضلالة اتفاقا .
الثالث : أنها تفوت الغاية من حملها وتشييعها ، وهي تذكر الاخرة ، كما نص على ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث المتقدم في أول هذا الفصل بلفظ : " . . . واتبعوا الجنائز تذكركم الاخرة " . أقول : إن تشييعها على تلك الصورة مما يفوت على الناس هذه الغاية الشريفة تفويتا كاملا أو دون ذلك ، فإنه ممالا يخفى على البصير أن حمل الميت على الاعناق ، ورؤية المشيعين لها وهي على رؤوسهم ، أبلغ في تحقيق التذكر والاتعاظ من تشييعها على الصورد المذكورة ، ولا أكون مبالغا إذا قلت : إن الذي حمل الاوربيين عليها إنما هو خوفهم من الموت وكل ما يذكر به ، بسبب تغلب المادة عليهم ، وكفرهم بالاخرة
الرابع : أنها سبب قوي لتقليل المشيعين لها والراغبين في الحصول على الاجر الذي سبق ذكره في المسألة ( 45 ) من هذا الفصل ، ذلك لانه لايستطيع كل أحد أن يستأجر سيارة ليشيعها "
الخامس : أن هذه الصورة لا تتفق من قريب ولامن بعيد مع ما عرف عن الشريعة المطهرة السمحة من البعد عن الشكليات والرسميات ، لا سيما في مثل هذا الامر الخطير : الموت والحق أقول : إنه لو لم يكن في هذه البدعة إلا هذه المخالفة ، لكفى ذلك في ردها فكيف إذا انضم إليها ما سبق بيانه من المخالفات والمفاسد وغير ذلك مما لا أذكره
55 - والقيام لها منسوخ ، وهو على نوعين :
أ - قيام الجالس إذا مرت به .
ب - وقيام المشيع لها عند انتهائها إلى القبر حتى توضع على الارض . والدليل على ذلك حديث علي رضي الله عنه ، وله ألفاظ :
الاول : " قام رسول الله صلى الله عليه وسلم للجنازة فقمنا ، ثم جلس فجلسنا " . أخرجه مسلم ( 3/ 59 ) وابن ماجه ( 1/ 468 ) والطحاوي ( 1/383 ) والطيالسي ( 150 ) وأحمد رقم ( 631 ، 1094 ، 1167 ) .
الثاني : " كان يقوم في الجنائز ، ثم جلس بعد " . رواه مالك ( 1 / 332 ) وعنه الشافعي في " الام " ( 1 / 247 ) وأبو داود ( 2 / 64 ) .
الثالث : من طريق واقد بن عمرو بن سعد بن معاذ قال : " شهدت جنازة في بني سلمة ، فقمت ، فقال لي نافع بن جبير : اجلس فإني سأخبرك في هذا بثبت ثنى مسعود بن الحكم الزرقي أنه سمع علي بن أبي طالب رضي الله عنه برحبة الكوفة وهو يقول : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرنا بالقيام في الجنازة ، ثم جلس بعد ذلك ، وأمرنا بالجلوس " . أخرجه الشافعي وأحمد ( 627 ) والطحاوي ( 1/282 ) وابن حبان في " صحيحه " هذا الوجه بلفظ آخر وهو .
الرابع : " قام رسول الله صلى الله عليه وسلم مع الجنائز حتى توضع ، وقام الناس معه ، ثم قعد بعد ذلك ، وأمر هم بالقعود " . الخامس : من طريق اسماعيل بن مسعود9 بن الحكم الزرقي عن أبيه قال : " شهدت جنازة بالعراق ، فرأيت رجالا قياما نيتظرون أن توضع ، ورأيت علي ابن أبي طالب رضي الله عنه يشير إليهم أن اجلسوا ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد أمرنا بالجلوس بعد القيام " 10 . أخرجه الطحاوي ( 1 / 282 ) بسند حسن .
56 - ويستحب لمن حملها أن يتوضأ ، لقوله صلى الله عليه وسلم : " من غسل ميتا فليغتسل ، ومن حمله فليتوضأ " . وهو حديث صحيح ، كما تقدم بيانه في المسألة ( 31 ) .
****************************
1 بتشديد الياء صغار النخل .
2 قال النووي رحمه الله تعالى في " الا ذكر " ( ص 203 ) : " واعلم أن الصواب والمختار وما كان عليه السلف رضي الله عنهم السكوت في حال السير مع الجنازة ، فلا يرفع صوت بقراءة ولا ذكر ولا غير ذلك . والحكمة فيه ظاهرة ، وهي أنه أسكن لخاطره وأجمع لفكره فيما يتعلق بالجنازة ، وهو المطلوب في هذا الحال ، فهذا هو الحق ، ولا تغتر بكثرة من يخالفه ، فقد قال أبو علي الفضيل بن عياض رضي الله عنه ما معناه : " إلزم طرق الهدي ولا يضرك قلة السالكين ، وإياك وطرق الضلالة ولا تغتر بكثرة الهالكين " . وقد روينا في سنن البيهقي ما يقتضي ما قلته ( يشير إلى قول فيس بن عباد ) . وأما ما يفعله الجهلة من القراءة على الجنازة بدمشق وغير ها من القراءة بالتمطيط وإخراج الكلام عن مواضعه فحرام بإجماع العلماء ، وقد أو ضحت قبحه وغلظ تحريمه وفسق من تمكن من إنكاره فلم ينكره في كتاب " آداب القراءة " . والله المستعان " .
3 وقال فيه ( 5 / 271 ) : " واتفق العلماء على استحباب الاسراع بالجنازة إلا أن يخاف من الاسراع انفجار الميت أو تغيره ونحوه فيتأتي " . قلت : ظاهر الامر الوجوب ، وبه قال ابن حزم ( 5 / 154 - 155 ) ، ولم نجد دليلا يصرفه إلى الاستحباب ، فوقفنا عنده . وقا لابن القيم في " زاد المعاد " : " وأما دبيب الناس اليوم خطوة فبدعة مكروهة ، مخالفة للسنة ، ومتضمنة للتشبه بأهل الكتاب اليهود " .
4 قلت : وأما ما في " الجوهر النقي " ( 4 / 25 ) : " وفي مصنف عبد الرزاق عن معمر عن ابن طاووس عن أبيه قال : " ما مشى رسول الله ( ص ) حتى مات ، إلا خلف الجنازة " . وهذا سند صحيح على شرط الجماعة " . فأقول : كيف وهو مرسل : فإن طاووسا تابعي وقد أرسله ، والمرسل ليس حجة عندهم ، وقد عارضه حديث أنس الصحيح ، وأعله الشوكاني ( 4 / 62 ) ايضا بالارسال ، ولكنه قال : " لم أقف عليه في شئ من كتب الحديث "
5 تنبيه ، قال الشوكاني عقب كلمته السابقة : " وحكى في البحر عن الثوري أنه قال : الراكب يمشي خلفها ، والماشي أما مها . ويدل لما قاله حديث المغير ة المقدم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " الراكب خلف الجنازة ، والماشي أما مها قريبا منها عن يمينها أو عن يسارها . أخرجه أصحاب السنن وصححه ابن حبان والحاكم ، وهذا مذهب قوي . . . " . قلت : كلا فإن الحديث بهذا اللفظ رواه أحمد من طريق المبارك بن فضالة ، وفيه ضعف وقد زاد غيره فقال : " خلفها وأمامها . . . " كما تقدمت الاشارة إليها ، وقد رواها المبارك أيضا عند الطيالسي ، فوجب الاخذ بها ، وهي نص في التخيير لا في تفضيل التقدم عليها ، ومن الغريب أن هذه الزيادة ذكرها صاحب المنتقى في المكان الذي أشار إليه الشوكاني نفسه بقوله آنفا " المتقدم " ثم هو ذهل عنها .
6 أي يثب ويقارب الخطو .
7 وهي نص في أنه صلى الله عليه وسلم ركب انصرافه من الجنازة ، وقد خفي هذا على أبي الطيب صديق حسن خان فاستدل في " الروضة " ( 1 / 173 ) على أن المشبع للجنازة مخير بين أن يمشي أمامها أو خلفها بهذا الحديث فقال : إن الصحابة كانوا يمشون حول جنازة ابن الدحداح وهذا خطأ من وجهين : الاول : أنه ليس في الحديث ما ذكره ، بل هو صريح في أنهم كانوا يمشون حول النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا تلازم بين الامرين كما هو ظاهر . الثاني : أن ذلك كاف عند الانصراف من الجنازة كما سبق ، ولعل سبب الوهم رواية عمربن موسى بن الوجيه عن سماك به بلفظ : " رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم مع جنازة ثابت بن الدحداح على فرص أغر محجل تحته ، ليس عليه سرج ، مع الناس وهم حوله قال : فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى عليه ثم جلس حتى فرغ منه ، ثم قام فقعد على فرسه ثم انطلق يسير حوله الرجال " . أخرجه أحمد ( 5 / 99 ) ، فهذا صريح في الركوب أثناء تشييعها أيضا ، ولكنه بهذا السياق باطل لان عمر ابن موسى هذا كان يضع الحديث فلا يحتج به عند الموافقة فكيف عند المخالفة
8 وقد قام بطبعه " المكتب الاسلامي " ثانية ، وفيها إضافات لم ترد في الطبعة السابقة .
9 وقع في الاصل " اسماعيل بن الحكم بن مسعود " والصواب ما أثبت ، وكأنه انقلب على الطابع ، أو بعض النساخ .
10 قلت : هذا اللفظ والذي قبله صريحان في أن القيام لها حتى توضع داخل في النهي ، وأنه منسوخ ، فقول صديق حسن خان في " الروضة " ( 1 / 176 ) بعد أن قرر منسوخية القيام لها إذا مرت : " وأما قيام الناس خلفها حتى توضع على حتى توضع على الارض فمحكم لم ينسخ " . فهذا خطأ بين ، لمخالفته لما ذكرنا من اللفظين ، والظاهر أنه لم يقف عليهما .
44 - ويجب حمل اجنازة واتباعها ، وذلك من حق الميت المسلم على المسلمين ، وفي ذلك أحاديث ، أذكر اثنين منها :
الاول : قوله صلى الله عليه وسلم : " حق المسلم ( وفي رواية : يجب المسلم على أخيه ) خمس : رد السلام ، وعيادة المريض ، واتباع الجنائز ، وإجابة الدعوة ، وتشميت العاطس " . أخرجه البخاري ( 3/88 ) والسياق له ، ومسلم ( 7/3 ) بالرواية الثانية وابن ماجه ( 1/439 ) وابن الجارود ( 261 ) وأحمد ( 2/372 ، 412 ، 540 ) ، وقال في رواية له : " ست " . وزاد : " وإذا استنصحك فانصح له " ، وهي رواية لمسلم أيضا ، أخرجوه كلهم من حديث أبي هريرة .
وفي الباب عن البراء بن عازب عند الشيخين وغيرهما .
الثاني : قوله أيضا : " عودوا المريض ، واتبعوا الجنائز ، تذكر كم الاخرة " . أخرجه ابن أبي شيبة في " المصنف " ( 4 / 73 ) والبخاري في " الادب المفرد " ( ص 75 ) وابن حبان في " صحيحه " ( 709 - موارد ) والطيالسي ( 1 / 224 ) وأحمد ( 3 / 27 ، 32 ، 48 ) والبغوي في " شرح السنة " ( 1 / 166/ 1 ) من حديث أبي سعيد الخدري . قلت : وإسناده حسن . وله شاهد من حديث عوف بن مالك بدون الجملة الاخيرة . رواه الطبراني . راجع " المجمع " ( 2/ 299 ) .
44 - واتباعها على مرتبتين :
الاولى : اتباعها من عند أهلها حتى الصلاة عليها .
والاخرى : اتباعها من عند أهلها حتى يفرغ من دفنها . وكل منهما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فروى أبو سعيد الخدري رضي الله عنه قال : " كنا مقدم النبي صلى الله عليه وسلم ( يعني المدينة ) ، إذا حضر منا الميت آذنا النبي صلى الله عليه وسلم ، فحضره واستغفر له ، حتى إذا قبض ، انصرف النبي صلى الله عليه وسلم ومن معه حتى يدفن ، وربما طال حيس ذلك على النبي صلى الله عليه وسلم ، فلما خشينا مشقة ذلك عليه ، قال بعض القوم لبعض : لو كنا لا نؤذن النبي صلى الله عليه وسلم بأحد حتى يقبض ، فإذا قبض آذناه ، فلم يكن عليه في ذلك مشقة ولا خبس ، ففعلنا ذلك ، وكنا نؤذنه بالميت بعد أن يموت ، فيأتيه فيصلي عليه ، فربما انصرف ، وربما مكث حتى يدفن الميت ، فكنا على ذلك حينا ، ثم قلنا لو لم يشخص النبي صلى الله عليه وسلم ، وحملنا جنازتنا إليه حتى يصلي عليه عند بيته لكان ذلك أرفق به ، فكان ذلك الامر إلى اليوم " . أخرجه ابن حبان في صحيحه ( 753 - مورد ) والحاكم ( 1/353 - 364 - 365 ) وعنه البيهقي ( 3/74 ) وأحمد ( 3/66 ) بنحوه ، وقال الحاكم : " صحيح على شرط الشيخين " وإنما هو صحيح فقط ، لان فيه سعيد بن عبيد بن السباق ، ولم يخرجا له شيئا .
45 - ولا شك في أن المرتبة الاخرى أفضل من الاولى لقوله صلى الله عليه وسلم : " من شهد الجنازة ( من بيتها ) ، ( وفي رواية من ابتع جنازة مسلم إيمانا واحتسابا ) حتى يصلى عليها فله قيراط ، ومن شهد ها حتى تدفن ، ( وفي الرواية الاخرى : يفرغ منها ) فله قيراطان ( من الاجر ) ، قيل : ( يارسول الله ) وما القيراطان ؟ قال : مثل الجبلين العظيمين . ( وفي الرواية الاخرى : كل قيراط مثل أحد ) " . أخرجه البخاري ( 1 / 89 - 90 ، 3 / 150 ، 154 ) ومسلم ( 3 / 51 - 52 ) وأبو داود ( 2 / 63 - 64 ) والنسائي ( 1 / 282 ) والترمذي ( 2 / 150 ) وصححه ، وابن ماجه ( 1 / 467 - 468 ) وابن الجارود ( 261 ) والبيهقي ( 3 / 412 - 413 ) والطيالسي ( 2581 ) وأحمد ( 2 / 233 ، 246 ، 320 ، 401 ، 458 ، 470 ، 474 493 ، 521 ، 531 ) من طرق كثيرة عن أبي هريد رضي الله عنه .
والرواية الثانية للبخاري والنسائي وأحمد . والزيادة الاولى لمسلم وأبي داود وغيرها ، والزيادتان الاخريان للنسائي . وللحديث شواهد عن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم . الاول : عن ثوبان عند مسلم والطيالسي ( 985 ) وأحمد ( 5/276 - 277 ، 282 - 283 - 284 ) .
الثاني والثالث : عن البراء بن غازب لث : عن البراء بن عازب وعبد الله بن مغفل ، عند النسائي وأحمد ( 4/86 ، 294 ) .
الرابع : عن أبي سعيد الخدري . رواه أحمد ( 3/20 ، 27 ، 97 ) من طريقين عنه . وله شواهد أخرى ذكرها الحافظ في " الفتح "
( 3 / 153 ) .
وفي بعض الشواهد عن أبي هريرة زيادات مفيدة لعله من المستحسن ذكرها :
" وكان ابن عمر يصلي عليها ، ثم ينصرف ، فلما بلغه حديث أبي هريرة قال : ( أكثر علينا أبو هريرة ، ( وفي رواية : فتعاظمه ) ) ، ( فإرسل خبابا إلى عائشة يسألها عن قول أبي هريرة ثم يرجع إليه فيخبره ما قالت ، وخذ ابن عمر قبضة من حصى المسجد يقلبها في يده حتي رجع إليه الرسول ، فقال : قالت عائشة : صدق أبو هريرة ، فضرب ابن عمر بالحصى الذي كان في يده الارض ثم قال : ) لقد فرطنا في قراريط كثيرة ، ( فبلغ ذلك أبا هريرة فقال : إنه لم يكن يشغلني عن رسول الله صلى الله عليه وسلم صفقة السوق ، ولا غرس الودي1 ، إنما كنت ألزم النبي صلى الله عليه وسلم لكلمة يعلمنيها ، وللقمة يطعمنيها ) ، ( فقال له ابن عمر : أنت يا أبا هريرة كنت ألزمنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأعلمنا بحديثه ) " . هذه الزيادات كلها لمسلم ، إلا الاخيرة ، فهي لاحمد ( 2/2 - 3 ، 387 ) وكذا سعيد بن منصور بإسناد صحيح كما قال الحافظ في " الفتح " ، والتي قبلها للطيالسي وسندها صحيح على شرط مسلم ، والزيادة الثانية للشيخين ، والرواية الثانية فيها للترمذي وأحمد .
والزيادة الاخيرة صريحة بأن ابن عمر رضي الله عنه اتصل عنه اسصل بنفسه بأبي هريرة ، ويؤيده ما في رواية لمسلم وغيره بلفظ : فقال ابن عمر : أبا هر انظر ما تحدث عن رسول الله عليه وسلم ، فقام إليه أبو هريرة حتى انطلق به إلى عائشة ، فقال لها ، يا أم المؤمنين أنشدك بالله أسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( فذكر الحديث ) ، فقالت : اللهم نعم ، فقال أبو هريرة : إنه لم يكن . . الخ . فظاهر هذا كله يخالف رواية أنه أرسل خبابا إلى ابن عمر . وجمع الحافظ ابن حجر بين الروايتين بأن الرسول لما رجع إلى ابن عمر يخبر عائشة بلغ ذلك أبا هريرة ، فمشى إلى ابن عمر فأسمعه ذلك من عائشة مشافهة . ولابي هريرة رضي الله عنه حديث آخر في فضل شهود الجنازة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من أصبح منكم اليوم صائما ؟ قال أبو بكر : أنا ، قال : من عاد منكم اليوم مريضا ؟ قال أبو بكر : أنا ، قال : من شهد منكم اليوم جنازة ؟ قال أبو بكر : أنا قال : من أطعم اليوم مسكينا ؟ قال أبو بكر : أنا ، قال صلى الله عليه وسلم : ما اجتمعت هذه الخصال في رجل في يوم إلا دخل الجنة " . أخرجه مسلم في " صحيحه " ( 3 / 92 ، 7 / 110 ) والبخاري في " الادب المفرد " ص 75
46 - وهذا الفضل في اتباع الجنائز ، إنما هو للرجال دون النساء لنهي النبي صلى الله عليه وسلم لهن عن اتباعها ، وهو ني تنزيه ، فقد قالت أم عطية رضي الله عنها : " كنا ننهى ( وفي رواية : نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم ) عن اتباع الجنائز ، ولم يعزم علينا " . أخرجه البخاري ( 1/328 - 329 ، 3/162 ) ومسلم ( 3/47 ) والسياق له ، وأبو داود ( 2/63 ) وابن ماجه ( 1/ 487 ) وأحمد ( 6/408 ، 409 ) وكذا البيهقي ( 4 / 77 ) والاسماعيلي والرواية الاخرى له ، وهي رواية للبخاري تعليقا .
47 - ولا يجوز أن تتبع الجنائز ، بما يخالف الشريعة ، وقد جاء النص فيها على أمرين : رفع الصوت بالبكاء ، واتباعها بالبخور ، وذلك في وقوله صلى الله عليه وسلم : " لا تتبع الجنازة بصوت ولا نار " . أخرجه أبو داود ( 2/64 ) وأحمد ( 2/427 ، 528 ، 532 ) من حديث أبي هريرة . وفي سنده من لم يسم ، لكنه يتقوى بشواهده المرفوعة ، وبعض الاثار الموقوفة .
أما الشواهد ، فعن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يتبع الميت صوت أو نار ، قال الهيثمي ( 3 / 29 ) : " رواه أبو يعلى ، وفيه من لاذكر له " .
وعن ابن عمر قال : " نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تتبع جنازة معها رانة " . أخرجه ابن ماجه ( 1 / 479 - 480 ) وأحمد ( 5668 ) من طريقين عن مجاهد عنه . وهو حسن بمجموع الطريقين .
وعن أبي موسى في النهي عن اتباع الميت بمجمر . وقد تقدم لفظه في المسألة ( 21 ) فقرة ( ب ) ، ( ص8 )
وأما الاثار ، فعن عمرو بن العاص أنه قال في وصيته : " فإذا أنا مت فلا تصحبني نائحة ولا نار " . أخرجه مسلم ( 1 / 78 ) وأحمد ( 4 / 199 ) .
وعن أبي هريرة أنه قال حين حضره الموت : " لا تضربوا علي فسطاطا ، ولا تتبعوني بمجمر ( وفي رواية : بنار ) " . رواه أحمد وغيره بسند صحيح كما يأتي بعد مسألة ، الحديث الثاني .
48 - ويلحق بذلك رفع الصوت بالذكر أمام الجنازة ، لانه بدعة ، ولقول قيس ابن عباد : " كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يكرهون رفع الصوت عند الجنائز " . أخرجه البيهقي ( 4 / 74 ) بسند رجاله ثقات .
ولان فيه تشبها بالنصارى فإنهم يرفعون أصواتهم بشئ من أنا جيلهم وأذكارهم مع التمطيط والتلحين والتحزين2 .
وأقبح من ذلك تشييعها بالعزف على الالات الموسيقية أما مها عزفا حزينا كما يفعل في بعض البلاد الاسلامية تقليدا للكفار . والله المستعان .
49 - ويجب الاسراع في السيربها ، سيرا دون الرمل ، وفي ذلك أحاديث :
الاول : " أسرعوا بالجنازة فإن تك صالحة فخير تقدمونها ، وإن تكن غير ذلك فشر تضعونه عن رقابكم " . أخرجه الشيخان ، والسياق لمسلم ، وأصحاب السنن الاربعة ، وصححه الترمذي وأحمد ( 2/240 ، 280 ، 488 ) والبيهقي ( 4/ 21 ) من طرق عن أبي هريرة ، وله حديث آخر بنحو الاتي .
الثاني : " إذا وضعت الجنازة ، واحتملها الرجال على أعناقهم ، فإن كانت صالحة قالت : قدموني ( قدموني ) ، وإن كانت غير صالحة قالت : يا ويلها أين يذهبون بها ؟ يسمع صوتها كل شئ إلا الانسان ، ولو سمعه ( لـ ) صعق " . أخرجه البخاري ( 3/142 ) والنسائي ( 1/270 ) والبيهقي وأحمد ( 3/41 ، 58 ) عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه .
والزيادة للنسائي ، وللبيهقي منهما الأولى ، ولأحمد الأخرى .
ويشهد للزيادة الاولى حديث أبي هريرة أنه قال حين حضره الموت : " لا تضربوا علي فسطاطا ، ولا تتبعوني بمجمر ، وأسر عوا بي ، فإني سمعت رسول الله صلى اله عليه وسلم يقول : " إذا وضع الرجل الصالح على سريره ، قال : قدموني . . . " الحديث نحوه ، دون قوله يسمع صوتها . . . أخرجه النسائي وابن حبان في صحيحه ( 764 ) والبيهقي والطيالسي ( رقم 2336 ) وأحمد ( 2 / 292 ، 274 ، 500 ) بإسناد صحيح على شرط مسلم .
الثالث : عن عبد الرحمن بن جوشن قال : " كنت في جنازة عبد الرحمن بن سمرة ، فجعل زياد ورجال من مواليه يمشون على أعقابهم أمام السرير ، ثم يقولون : رويدا رويدا بارك الله فيكم : فلحقهم أبو بكرة في بعض سكك المدينة فحمل عليهم بالبغلة ، وشد عليهم بالسوط ، وقال : خلوا والذي أكرم وجه أبي القاسم صلى الله عليه وسلم لقد رأيتنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم لنكاد أن نرمل بها رملا " . أخرجه أبو داود ( 2 / 65 ) والنسائي ( 1 / 271 ) والطحاوي ( 1 / 276 ) والحاكم ( 1 / 255 ) والبيهقي ( 4 / 22 ) والطيالسي ( 883 ) وأحمد ( 5 / 36 - 38 ) قال الحاكم : " صحيح " . ووافقه الذهبي ، ومن قبله النووي في " المجموع " ( 5 / 272 ) 3
50 - ويجوز المشي أمامها وخلفها ، وعن يمينها ويسارها ، على أن يكون قريبا منها ، إلا الراكب فيسير خلفها ، لقوله صلى الله عليه وسلم : " الراكب ( يسير ) خلف الجنازة ، والماشي حيث شاء منها ، ( خلفها وأمامها ، وعن يمينها ، وعن يسارها ، قريبا منها ) ، والطفل يصلى عليه ، ( ويدعى لوالديه بالمغفرة والرحمة ) " . أخرجه أبو داود ( 2/65 ) والنسائي ( 1/275 - 276 ) والترمذي ( 2/144 ) وابن ماجه ( 1 /451 ، 458 ) والطحاوي ( 1/278 ) وابن حبان في " صحيحه " ( 769 ) والبيهقي ( 84 ، 25 ) والطيالسي ( 701 - 702 ) وأحمد ( 4 / 247 ، 248 - 249 ، 249 ، 252 ) من حديث المغيرة بن شعبة ، وقال الترمذي : " حديث حسن صحيح " .
وقال الحاكم : " صحيح على شرط البخاري " . ووافقه الذهبي . وهو كما قالا . والسياق للنسائي وأحمد في رواية .
والزيادات الثلاث لابي داود والحاكم والطيالسي ، ولاحمد الاوليان منها ، وللبيهقي الثالثة . وقال أبو داود وابن حبان : " السقط " بدل " الطفل " وهو رواية للحاكم والبيهقي وأحمد ، وعزاها الحافظ في " التلخيص " ( 5/147 ) للترمذي أيضا ، وهو وهم فإنما لفظه عنده كلفظ الجماعة .
51 - وكل من المشي أمامها وخلفها ، ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فعلا ، كما قال أنس بن مالك رضي الله عنه : " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر كانوا يمشون أمام الجنازة وخلفها " . أخرجه الطحاوي ( 1 / 278 ) من طريقين عن يونس بن يزيد عن ابن شهاب عن . قلت : وهذا سند صحيح على شرط الشيخين4 .
51 - لكن الافضل المشي خلفها ، لانه مقتضى قوله صلى الله عليه وسلم : " واتبعو الجنائز " ، وما في معنا ه مما تقدم في المسألة ( 43 ) أول هذا الفصل . ويؤيده قول علي رضي الله عنه : " المشي خلفها أفضل من المشي أمامها ، كفضل صلاة الرجل في جماعة على صلاته فذا " . أخرجه ابن أبي شيبة في " المصنف " ( 4 / 101 ) والطحاوي ( 1 / 279 ) والبيهقي ( 4 / 9 25 وأحمد ( 754 ) وكذا ابن حزم في " المحلى " ( 5 / 165 ) وسعيد بن منصور من طريقين عنه ، قال الحافظ ( 3 / 143 ) في أحدهما : " وإسناده حسن ، وهو موقوف له حكم المرفوع ، لكن حكى الاثرم عن أحمد أنه تكلم في إسناده " . قلت : لكنه يتقوى بالطريق الاخر5 .
52 - ويجوز الركوب بشرط أن يسير وراء ها لقوله صلى الله عليه وسلم : " الراكب يسير خلف الجنازة . . " . وقد مضى ذلك بتمامه في المسألة ( 50 ) . لكن الافضل المشي ، لانه المعهور عنه صلى الله عليه وسلم ، ولم يرد أنه ركب معها بل قال ثوبان رضي الله عنه : " إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتي بدابة وهو مع الجنازة فأبى أن يركبها ، فلما انصرف أتي بدابة فركب ، فقيل له ؟ فقال : إن الملائكة كانت تمشي فلم أكن لاركب وهم يمشون ، فلما ذهبوا ركبت " . أخرجه أبو داود ( 2 / 64 - 65 ) والحاكم ( 1 / 355 ) والبيهقي ( 4 / 23 ) وقال الحاكم : " صحيح على شرط الشيخين " . ووافقه الذهبي وهو كما قالا .
53 - وأما الركوب بعد الانصراف عنها فجائز ، بدون كراهة لحديث ثوبان المذكور آنفا ، ومثله حديث جابر بن سمرة رضي الله عنه قال : " صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على ابن الدحداح ( ونحن شهود ) ، ( وفي رواية : خرج على جنازة ابن الدحداح ( ماشيا ) ) ، ثم أتي بفرس عري ، فعقله رجل فر كبه ( حين انصراف ) ، فجعل يتوقص به6 ، ونحن نتبعه نسعى خلفه ، ( وفي رواية : حوله ) قال : فقال رجل من القوم : إن النبي صلى الله عليه وسلم قال : كم من عذق معلق أو مدلى في الجنة لابن الدحداح " . أخرجه مسلم ( 2/60 - 61 ) والسياق له ، وأبو داود ( 2/65 ) والنسائي ( 1/284 ) والترمذي ( 2/ 138 ) وصححه ، والبيهقي ( 4 / 22 - 23 ) والطيالسي ( 760 - 761 ) وأحمد ( 5/ 98 - 99 ، 102 ) من طرق عن سماك بن حرب عنه . والرواية الثانية للنسائي ، والزيادة فيها للترمذي في إحدى روايتيه ، ومعناها للطيالسي . والرواية الثالثة لابي داود والترمذي ، ولمسلم والبيهقي وأحمد في رواية لهم . والزيادة الاولى للنسائي والاخرى لابي داود7 .
54 - وأما حمل الجنازة على عربة أو سيارة مخصصة للجنائز ، وتشييع المشيعين لها وهم في السيارات ، فهذه الصورة لا تشرع البتة ، وذلك لامور :
الاول : أنها من عادات الكفار ، وقد تقرر في الشريعة أنه لا يجوز تقليدهم فيها . وفي ذلك أحاديث كثيرة جدا ، كنت أستوعبتها وخرجتها في كتابي " حجاب المرأة المسلمة في الكتاب والسنة " ، بعضها في الامر والحض على مخالفتهم في عباداتهم وأزيائهم وعاداتهم ، وبعضها من فعله صلى الله عليه وسلم في مخالفتهم في ذلك ، فمن شاء الاطلاع عليها فليرجع إليه8 .
الثاني : أنها بدعة في عبادة ، مع معارضتها للسنة العملية في حمل الجنازة ، وكل ماكان كذلك من المحدثات ، فهو ضلالة اتفاقا .
الثالث : أنها تفوت الغاية من حملها وتشييعها ، وهي تذكر الاخرة ، كما نص على ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث المتقدم في أول هذا الفصل بلفظ : " . . . واتبعوا الجنائز تذكركم الاخرة " . أقول : إن تشييعها على تلك الصورة مما يفوت على الناس هذه الغاية الشريفة تفويتا كاملا أو دون ذلك ، فإنه ممالا يخفى على البصير أن حمل الميت على الاعناق ، ورؤية المشيعين لها وهي على رؤوسهم ، أبلغ في تحقيق التذكر والاتعاظ من تشييعها على الصورد المذكورة ، ولا أكون مبالغا إذا قلت : إن الذي حمل الاوربيين عليها إنما هو خوفهم من الموت وكل ما يذكر به ، بسبب تغلب المادة عليهم ، وكفرهم بالاخرة
الرابع : أنها سبب قوي لتقليل المشيعين لها والراغبين في الحصول على الاجر الذي سبق ذكره في المسألة ( 45 ) من هذا الفصل ، ذلك لانه لايستطيع كل أحد أن يستأجر سيارة ليشيعها "
الخامس : أن هذه الصورة لا تتفق من قريب ولامن بعيد مع ما عرف عن الشريعة المطهرة السمحة من البعد عن الشكليات والرسميات ، لا سيما في مثل هذا الامر الخطير : الموت والحق أقول : إنه لو لم يكن في هذه البدعة إلا هذه المخالفة ، لكفى ذلك في ردها فكيف إذا انضم إليها ما سبق بيانه من المخالفات والمفاسد وغير ذلك مما لا أذكره
55 - والقيام لها منسوخ ، وهو على نوعين :
أ - قيام الجالس إذا مرت به .
ب - وقيام المشيع لها عند انتهائها إلى القبر حتى توضع على الارض . والدليل على ذلك حديث علي رضي الله عنه ، وله ألفاظ :
الاول : " قام رسول الله صلى الله عليه وسلم للجنازة فقمنا ، ثم جلس فجلسنا " . أخرجه مسلم ( 3/ 59 ) وابن ماجه ( 1/ 468 ) والطحاوي ( 1/383 ) والطيالسي ( 150 ) وأحمد رقم ( 631 ، 1094 ، 1167 ) .
الثاني : " كان يقوم في الجنائز ، ثم جلس بعد " . رواه مالك ( 1 / 332 ) وعنه الشافعي في " الام " ( 1 / 247 ) وأبو داود ( 2 / 64 ) .
الثالث : من طريق واقد بن عمرو بن سعد بن معاذ قال : " شهدت جنازة في بني سلمة ، فقمت ، فقال لي نافع بن جبير : اجلس فإني سأخبرك في هذا بثبت ثنى مسعود بن الحكم الزرقي أنه سمع علي بن أبي طالب رضي الله عنه برحبة الكوفة وهو يقول : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرنا بالقيام في الجنازة ، ثم جلس بعد ذلك ، وأمرنا بالجلوس " . أخرجه الشافعي وأحمد ( 627 ) والطحاوي ( 1/282 ) وابن حبان في " صحيحه " هذا الوجه بلفظ آخر وهو .
الرابع : " قام رسول الله صلى الله عليه وسلم مع الجنائز حتى توضع ، وقام الناس معه ، ثم قعد بعد ذلك ، وأمر هم بالقعود " . الخامس : من طريق اسماعيل بن مسعود9 بن الحكم الزرقي عن أبيه قال : " شهدت جنازة بالعراق ، فرأيت رجالا قياما نيتظرون أن توضع ، ورأيت علي ابن أبي طالب رضي الله عنه يشير إليهم أن اجلسوا ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد أمرنا بالجلوس بعد القيام " 10 . أخرجه الطحاوي ( 1 / 282 ) بسند حسن .
56 - ويستحب لمن حملها أن يتوضأ ، لقوله صلى الله عليه وسلم : " من غسل ميتا فليغتسل ، ومن حمله فليتوضأ " . وهو حديث صحيح ، كما تقدم بيانه في المسألة ( 31 ) .
****************************
1 بتشديد الياء صغار النخل .
2 قال النووي رحمه الله تعالى في " الا ذكر " ( ص 203 ) : " واعلم أن الصواب والمختار وما كان عليه السلف رضي الله عنهم السكوت في حال السير مع الجنازة ، فلا يرفع صوت بقراءة ولا ذكر ولا غير ذلك . والحكمة فيه ظاهرة ، وهي أنه أسكن لخاطره وأجمع لفكره فيما يتعلق بالجنازة ، وهو المطلوب في هذا الحال ، فهذا هو الحق ، ولا تغتر بكثرة من يخالفه ، فقد قال أبو علي الفضيل بن عياض رضي الله عنه ما معناه : " إلزم طرق الهدي ولا يضرك قلة السالكين ، وإياك وطرق الضلالة ولا تغتر بكثرة الهالكين " . وقد روينا في سنن البيهقي ما يقتضي ما قلته ( يشير إلى قول فيس بن عباد ) . وأما ما يفعله الجهلة من القراءة على الجنازة بدمشق وغير ها من القراءة بالتمطيط وإخراج الكلام عن مواضعه فحرام بإجماع العلماء ، وقد أو ضحت قبحه وغلظ تحريمه وفسق من تمكن من إنكاره فلم ينكره في كتاب " آداب القراءة " . والله المستعان " .
3 وقال فيه ( 5 / 271 ) : " واتفق العلماء على استحباب الاسراع بالجنازة إلا أن يخاف من الاسراع انفجار الميت أو تغيره ونحوه فيتأتي " . قلت : ظاهر الامر الوجوب ، وبه قال ابن حزم ( 5 / 154 - 155 ) ، ولم نجد دليلا يصرفه إلى الاستحباب ، فوقفنا عنده . وقا لابن القيم في " زاد المعاد " : " وأما دبيب الناس اليوم خطوة فبدعة مكروهة ، مخالفة للسنة ، ومتضمنة للتشبه بأهل الكتاب اليهود " .
4 قلت : وأما ما في " الجوهر النقي " ( 4 / 25 ) : " وفي مصنف عبد الرزاق عن معمر عن ابن طاووس عن أبيه قال : " ما مشى رسول الله ( ص ) حتى مات ، إلا خلف الجنازة " . وهذا سند صحيح على شرط الجماعة " . فأقول : كيف وهو مرسل : فإن طاووسا تابعي وقد أرسله ، والمرسل ليس حجة عندهم ، وقد عارضه حديث أنس الصحيح ، وأعله الشوكاني ( 4 / 62 ) ايضا بالارسال ، ولكنه قال : " لم أقف عليه في شئ من كتب الحديث "
5 تنبيه ، قال الشوكاني عقب كلمته السابقة : " وحكى في البحر عن الثوري أنه قال : الراكب يمشي خلفها ، والماشي أما مها . ويدل لما قاله حديث المغير ة المقدم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " الراكب خلف الجنازة ، والماشي أما مها قريبا منها عن يمينها أو عن يسارها . أخرجه أصحاب السنن وصححه ابن حبان والحاكم ، وهذا مذهب قوي . . . " . قلت : كلا فإن الحديث بهذا اللفظ رواه أحمد من طريق المبارك بن فضالة ، وفيه ضعف وقد زاد غيره فقال : " خلفها وأمامها . . . " كما تقدمت الاشارة إليها ، وقد رواها المبارك أيضا عند الطيالسي ، فوجب الاخذ بها ، وهي نص في التخيير لا في تفضيل التقدم عليها ، ومن الغريب أن هذه الزيادة ذكرها صاحب المنتقى في المكان الذي أشار إليه الشوكاني نفسه بقوله آنفا " المتقدم " ثم هو ذهل عنها .
6 أي يثب ويقارب الخطو .
7 وهي نص في أنه صلى الله عليه وسلم ركب انصرافه من الجنازة ، وقد خفي هذا على أبي الطيب صديق حسن خان فاستدل في " الروضة " ( 1 / 173 ) على أن المشبع للجنازة مخير بين أن يمشي أمامها أو خلفها بهذا الحديث فقال : إن الصحابة كانوا يمشون حول جنازة ابن الدحداح وهذا خطأ من وجهين : الاول : أنه ليس في الحديث ما ذكره ، بل هو صريح في أنهم كانوا يمشون حول النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا تلازم بين الامرين كما هو ظاهر . الثاني : أن ذلك كاف عند الانصراف من الجنازة كما سبق ، ولعل سبب الوهم رواية عمربن موسى بن الوجيه عن سماك به بلفظ : " رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم مع جنازة ثابت بن الدحداح على فرص أغر محجل تحته ، ليس عليه سرج ، مع الناس وهم حوله قال : فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى عليه ثم جلس حتى فرغ منه ، ثم قام فقعد على فرسه ثم انطلق يسير حوله الرجال " . أخرجه أحمد ( 5 / 99 ) ، فهذا صريح في الركوب أثناء تشييعها أيضا ، ولكنه بهذا السياق باطل لان عمر ابن موسى هذا كان يضع الحديث فلا يحتج به عند الموافقة فكيف عند المخالفة
8 وقد قام بطبعه " المكتب الاسلامي " ثانية ، وفيها إضافات لم ترد في الطبعة السابقة .
9 وقع في الاصل " اسماعيل بن الحكم بن مسعود " والصواب ما أثبت ، وكأنه انقلب على الطابع ، أو بعض النساخ .
10 قلت : هذا اللفظ والذي قبله صريحان في أن القيام لها حتى توضع داخل في النهي ، وأنه منسوخ ، فقول صديق حسن خان في " الروضة " ( 1 / 176 ) بعد أن قرر منسوخية القيام لها إذا مرت : " وأما قيام الناس خلفها حتى توضع على حتى توضع على الارض فمحكم لم ينسخ " . فهذا خطأ بين ، لمخالفته لما ذكرنا من اللفظين ، والظاهر أنه لم يقف عليهما .