تابع : الدفن وتوابعه
99 - ويتولى إنزال الميت ولو كان أنثى - الرجال دون النساء لامور :
الاول : أنه المعهود في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، وجرى عليه عمل المسلمين حتى اليوم ويأتي فيه حديث أنس في المسألة ( 99 ) .
الثاني : أن الرجال أقوى على ذلك ،
الثالث : لو تولته النساء أفضى ذلك إلى انكشاف شئ من أبدانهن أمام الاجانب وهو غير جائز .
100 - وأولياء الميت أحق بإنزاله ، لعموم قوله تعالى{ وأولوا الارحام1 بعضهم أولى ببعض في كتاب الله } . ( الانفال : 75 ) . ولحديث علي رضي الله عنه قال : " غسلت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فذهبت أنظر ما يكون من الميت ، فلم أر شيئا ، وكان طيبا حيا وميتا ، وولي دفنه وإجنانه دون الناس أربعة : علي والعباس والفضل وصالح مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولحد لرسول الله لحدا ، ونصب عليه اللبن عليه اللبن نصبا " . أخرجه الحاكم ( 1/362 ) وعنه البيهقي ( 4/53 ) بسند صحيح ، وصححه الحاكم على شرط الشيخين ووافقه الذهبي .
وله شاهد من حديث ابن عباس سبق ذكره في المسألة ( 94 ) ، ( ص 144 - 145 ) وشاهد آخر عن الشعبي مرسلا ، ولم يذكر صالحا مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم .
أخرجه أبو داود ( 2/69 ) بسند صحيح عنه .
وله عن مرحب أو ابن أبي مرحب " أنهم ( يعني عليا والفضل وأخاه ) أدخلوا معهم عبد الرحمن بن عوف ، فلما فرغ علي قال : إنما يلي الرجل أهله " .
ومرحب أو ابن أبي مرحب مختلف في صحبته2 .
وعن عبد الرحمن بن أبزي قال : " صليت مع عمر بن الخطاب على زينب بنت جحش بالمدينة ، فكبر أربعا ثم أرسل إلى أزواج النبي صلى الله عليه وسلم : من يأمرون أن يدخلها القبر ؟ قال : وكان يعجبه أن يكون هو الذي يلي ذلك : فأرسلن إليه : انظر من كان يراها في حال حياتها فليكن هو الذي يدخلها القبر ، فقال عمر : صدقتن " . أخرجه الطحاوي ( 3/304 - 305 ) والبيهقي ( 3/53 ) بسند صحيح .
101 - ويجوز للزوج أن أن يتولى بنفسه دفن زوجته ، لحديث عائشة رضي الله تعالى عنها قالت : " دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم في اليوم الذي بدئ فيه ، فقلت ، وارسأاه ، فقال : وددبت أن ذلك كان وأنا حي ، فهيتأت ك ودفنتك ، قالت : فقلت غيري : كأني بك في ذلك اليوم عروسا ببعض نسائك قال : وأنا وارأساه ادعي لي أباك وأخاك حتي أكتب لابي بكر كتابا فإني أخاف أن يقول قائل ويتمنى متمن : أنا أولى وبأبي الله عزوجل والمؤمنون إلا أبا بكر " . أخرجه أحمد ( 6 / 144 ) بإسناد صحيح على شرط الشيخين ، وهو في " صحيح البخاري " بنحوه ( 10/101 ، 102 ) ، ومسلم ( 7/110 ) مختصرا ، وله طريق أخرى عن عائشة تقدم ( ص 50 ) 3
102 - لكن ذلك مشروط بما إذا كان لم يطإ تلك الليلة ، وإلا لم يشرع له دفنها ، وكان غيره هو الاولى بدفنها ولو أجنبيا بالشرط المذكور ، لحديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال : " شهدنا ابنة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس على القبر فرأيته عينيه تدمعان ثم قال : هل منكم من رجل لم يقارف4 الليلة ( أهله ) ؟ فقال أبو طلحة : ( نعم ) أنا يا رسول الله قال : فانزل ، قال فنزل في قبرها ( فقبرها ) " . وفي رواية عنه : " أن رقية رضي الله عنها لما ماتت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لا يدخل القبر رجل قارف " الليلة " أهله ، فلم يدخل عثمان بن عفان رضي الله عنه القبر ) . أخرج الرواية الاولى البخاري في " صحيحه " ( 3/122 ، 162 ) والطحاوي في " المشكل " ( 3/304 ) والحاكم ( 4/47 ) والبيهقي ( 4/53 ) وأحمد ( 3/126 ، 228 ) والسياق له ، وعنده الزيادة الثانية في رواية له ، وعند الطحاوي والحاكم الاولى ، والبخاري الاخيرة .
وأخرج الرواية الثانية أحمد ( 3/229 - 270 ) والطحاوي ( 3/202 ) والحاكم ( 4/47 ) وابن حزم ( 5/145 ) من طريق أخرى عن أنس ، والسياق لاحمد ، والزيادة للحاكم وقال : " حديث صحيح على شرط مسلم " .
وهو كما قال ، وأقره الذهبي ، إلا أن بعض الائمة قد استنكر منه تسميته البنت " رقية " فقال البخاري في التاريخ الاوسط " :
" ما أدري ما هذا ؟ فإن رقية ماتت والنبي صلى الله عليه وسلم ببدر لم يشهدها " . ورجح الحافظ في " الفتح " أن الوهم فيه من حماد بن سلمة ، وأنها أم كلثوم زوج عثمان ، فراجعه ، وهو الذي جزم به الطحاوي في " المشكل " وقال " " وكانت وفاتها في سنة تسع من الهجرة " 5 .
103 - والسنة إدخال الميت من مؤخر القبر ، لحديث أبي إسحاق قال : " أوصي الحارث أن يصلي عليه عبد الله بن يزيد ، فصلى عليه ، ثم أدخله القبر من قبل رجلي القبر وقال : من السنة " . أخرجه ابن أبي شيبة في " المصنف " ( 4/130 ) وأبو داود ( 2/69 ) ومن طريقه البيهقي ( 4/54 ) وقال :
هذا إسناد صحيح ، وقد قال : " هذا من السنة " فصار من المسند " .
قلت : ثم روى له شواهد من حديث ابن عباس وغيره : ، وقال : " هذا هو المشهور فيما بين أهل الحجاز " .
ثم ساق حديثين في أن النبي صلى الله عليه وسلم أدخل من قبل القبلة ، وضعفهما ، وهو كما ذكر ، وقد أعل الشافعي رحمه الله تعالى الحديث الثاني منهما من جهة متنه أيضا بحجة أنه غير ممكن عمليا ، فقال في " الام " ( 1/241 ) :
" أخبرني الثقات من أصحابنا أن قبر النبي صلى الله عليه وسلم على يمين الداخل من البيت لا صق بالجدار ، والجدار الذي اللحد لجنبه قبلة البيت ، وأن لحده تحت الجدار ، فكيف يدخل معترضا واللحد لاصق بالجدار ، لا يقف عليه شئ ، ولا يمكن إلا أن يسل سلا ، أو يدخل من خلاف القبلة ، وأمور الموتى وإدخالهم من الامور المشهورة عندنا لكثرة الموت ، وحضور الائمة ، وأهل الثقة ، وهو من الامور العامة التي يستغني فيها عن الحديث ، ويكون الحديث فهيا كالتكليف بعموم معرفة الناس لها ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم والمهاجرون والانصار بين أظهرنا بين أظهرنا بنقل العامة عن العامة لا يختلفون في ذلك أن الميت يسل سلا ، ثم جاءنا آت6من غير بلدنا يعلمنا كيف ندخل الميت7ثم لم يعلم ( كذا الاصل ، وفي " المجموع " نقلا عن " الام " ( لم يرض ) ( ولعله الصواب ) حتى روى عن حماد عن ابراهيم أن النبي صلى الله عليه وسلم أدخل معترضا " . ثم ساق الشافعي حديث ابن عباس وغيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سل من قبل رأسه . قلت : ورجاله ثقات رجال الشيخين غير شيخ الشافعي وهو مجهول لم يسم ، لان الشافعي قال : " أخبرنا الثقة عن عمرو عن عطاء عنه " . وعن ابن سيرين قال : " كنت مع أنس في جنازة فأمر بالميت فسل من قبل رجل القبر " . أخرجه أحمد ( 4081 ) وابن أبي شيبعة ( 4/130 ) وسنده صحيح
104 - ويجعل الميت في قبره على جنبه اليمين ، ووجهه قبالة القبلة ، ورأسه ورجاله إلى يمين القبلة ويسارها ، على هذا جرى عمل أهل الاسلام من عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا وهكذا كل مقبرة على ظهر الارض ، كذا في " المحلى " ( 5/ 173 ) وغيره .
105 - ويقول الذي يضعه في لحده : " بسم الله ، وعلى سنة رسول الله ، أو : ملة رسول الله صلى الله عليه وسلم " . والدليل عليه حديث ابن عمر : " أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا وضع الميت في القبر قال : ( وفي لفظ : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : أذا وضعتم موتاكم في القبور فقولوا ) : بسم الله ، وعى سنة ( وفي رواية : ملة ) رسول الله " . أخرجه أبو داود ( 2/70 ) والترمذي ( 2/152 ، 153 ) وابن ماجه ( 1/470 ) وابن حبان في " صحيحه " ( 773 ) والحاكم ( 1/366 ) والبيهقي ( 4/55 ) وأحمد ( رقم4990 ، 5233 ، 6111 ) من طريقين عن ابن عمر .
واللفظ الاول لابي داود وابن ماجه وابن السني ، واللفظ الاخر للباقين ، وأما الرواية الاخرى فهي للترمذي وابن ماجه والحاكم ، ورواية لاحمد ، ومعناهما واحد ، وقال الترمذي : " حديث حسن " .
وقال الحاكم ووافقه الذهبي : " صحيح على شرط الشيخين " .
قلت : وهو كما قالا : ولا يضره رواية بعضهم له موقوفا لامرين :
الاول : أن الذي رفعه ثقة ، وهي زيادة منه ، فيجب قبولها ويؤيده
الامر الثاني : أنه روي مرفوعا من الطريق الاخر . أو يقول : " بسم الله ، وبالله ، وعلى ملة رسول الله صلى الله عليه وسلم " . لحديث البياضي رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " الميت إذا وضع في قبره : فليقل الذين يضعونه حين يوضع في اللحد : باسم الله ، وبالله على ملة رسول الله صلى الله عليه وسلم " . إخرجه الحاكم شاهدا للحديث الذي قبله . وإسناده حسن
106 - ويستحب لمن عند القبر أن يحثو من التراب ثلاث حثوات بيديه جميعا بعد الفراغ من سد اللحد ، لحديث أبي هريرة : " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى على جنازة ثم آتي الميت فحتى عليه من قبل رأسه ثلاثا " . أخرجه ابن ماجه ( 1/474 ) بإسناد قال ( 5/292 ) : " جيد " . لكن قال الحافظ : " ظاهره الصحة " . ثم ذكر أنه معلول بعنعقة بعض رواته كما بينته في " التعليقات الجياد " ، لكن الحديث قوي بما له من الشواهد ، وقد ذكرها الحافظ في " تلخيص الحبير " ( 5/222 ) فليراجعها من شاء ، ثم تبى نلي أن الاعلال المشار إليه غير قادح ، كما حققته في الارواء ( 743 ) 8 .
107 - ويسن بعد الفراغ من دفنه أمور :
الاول : أن يرفع القبر عن الارض قليلا نحو شبر ، ولا يسوى بالارض ، وذلك ليتميز فيصان ولا يهان لحديث جابر رضي الله عنه : " أن النبي صلى الله عليه وسلم ألحد له لحد ، ونصب اللبن نصبا ، ورفع قبره من الارض نحوا من شبر " . رواه ابن حبان في " صحيحه " ( 2160 ) والبيهقي ( 3/410 ) وإسناده حسن .
وله شاهد عن صالح بن أبي صالح قال ، " رأيت قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم شبرا أو نحو شبر " . رواه أبو داود في " المراسيل " .
ويؤيده ما سيأتي من النهي عن الزيادة على التراب الخارج من القبر ، فإن من المعلوم أنه يبقى بعد الدفن على القبر التراب الذي أخرج من القبر ، فإن من المعلوم أنه يبقى بعد الدفن على القبر التراب الذي أخرج من اللحد الذي شغله جسم الميت ، وذلك يساوي القدر المذكور في الحديث تقريبا 9 .
الثاني : أن يجعل مسنما ، لحديث سفيان التمار قال : " رأيت قبر النبي صلى الله عليه وسلم ( وقبر أب بكر وعمر ) مسنما " . أخرجه البخاري ( 3/198 - 199 ) والبيهقي ( 4/3 ) . ورواه ابن أبي شيبة وأبو نعيم في " المستخرج " كما في " التلخيص " والزيادة لهما .
ولا يعارض ذلك ما روى عن القاسم قال : " دخلت على عائشة فقلت : يا أمة آكشفى لي عن قبر النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبيه رضي الله عنهما ، فكشفت لي عن ثلاثة قبور لا مشرفة ولا لاطئعة ، مبطوحة ببطحاء العرصة الحمراء " . أخرجه أبو داود ( 2/70 ) والحاكم ( 1/369 ) وعنه البيهقي ( 4/3 ) وابن حزم ( 5/134 ) من طريق عمرو بن عثمان بن هاني عن القاسم به ، وقال الحاكم : " صحيح الاسناد " ووافقه الذهبي وأما البيهقي فقال : " إنه أصح من حديث سفيان التمار " وقد رد عليه ابن التركماني : " هذا خلاف اصطلاح أهل هذا الشأن ، بل حديث التمار أصح لانه مخرج في صحيح البخاري ، وحديث القاسم لم يخرج في شئ من الصحي "
قلت : هذا الرد لا يكفي قد يكون إسناد الحديث المخالف لحديث البخاري أصح وأقوى من سند البخاري ، فلا يتم ترجيح حديث التمار إلا ببيان علة حديث القاسم أو على الاقل بيان إنه دونه في الصحة ، وهو الواقع هنا فإن علته عمرو بن عثمان ابن هانئ ، وهو مستور كما قال الحافظ في " التقريب " ولم يوثقه أحد ألبتة ، فتصحيح الحاكم لحديثه من تساهله المعروف ، ومتابعة الذهبي له من أوهامه الكثيرة التي لا تخفى على من تتبع كلامه في " تلخيص المستدرك " .
ثم إنه لو صح فليس معارضا لحديث التمار لان قوله " مبطوح " ليس معناه مسطح بل ملقى فيه البطحاء وهو الحصى الصغيرة كما في " النهاية " ، وهو ظاهر في الخبر نفسه : " مبطوحة ببطحاء العرصة الحمراء فهذا لا ينافي التسنيم ، وبهذا جمع ابن القيم بين الحديثين فقال في " الزاد " :
" وقبره مسنم مبطوح ببطحاء العرصة ، الحمراء ، لامبني ولا مطين ، وهكذا كان قبر صاحبيه " .
الثالث : أن يعلمه بحجر أو نحوه ليدفن إليه من يموت من أهله ، لحديث المطلب ابن أبي وادعة رضي الله عنه قال : " لما مات عثمان بن مظعون أخرج بجنازته فدفن ، أمر النبي صلى الله عليه وسلم رجلا أن يأتيه بحجر فلم يستطع حمله ، فقام إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم وحسر عن ذراعية ، قال المطلب : قال الذي يخبرني عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : كأني أنظر إلى بياض ذراعي رسول الله صلى الله عليه وسلم حين حسر عنهما ، ثم حملها فوضعها عند رأسه ، وقال : أتعلم بها قبر أخي ، وأدفن إليه من مات من أهلي " . أخرجه أبو داود ( 2/69 ) وعنه البيهقي ( 3/412 ) بسند حسن كما قال الحافظ ( 5/229 ) ، والمطلب صحابي معروف أسلم يوم الفتح . وله شاهدان ذكرتهما في " التعليقات الجياد " .
الرابع : أن لا يلقن الميت التلقين المعروف لايوم ، لان الحديث الوارد فيه لا يصح10بل يقف على القبر بدعو له بالتثبيت ، ويستغفر له ، ويإمر الحاضرين بذلك لحديث عثمان بن عفان رضى الله عنه قال : " كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه فقال : استغفروا لاخيكم ، وسلوا له التثبيت ، فإنه الان يسإل " . أخرجه أبو داود ( 2/70 ) والحاكم ( 1/370والبيهقي ( 4/56 ) وعبد الله بن أحمد في " زوائد الزهد " ( ص 129 ) وقال الحاكم : " صحيح الاسناد " ، ووافقه الذهبي : وهو كما قالا ، وقال النووي ( 5/292 : " إسناده جيد " .
108 - ويجوز الجلوس عنده أثناء الدفن تذكير الحاضرين بالموت وما بعده ، لحديث البراء بن عازب قال : " خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في جنازة رجل من الانصار ، فانتهينا إلى القبر ولما يلحد ، فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم ( مستقبل القبلة ) ، وجلسنا حوله ، وكأن على رؤوسنا الطير ، وفي يده عوده ينكت في الارض ، ( فجعل ينظر إلى السماء ، وينظر إلى الارض ، وجعل يرفع بصره ويخفضه ، ثلاثا ) ، فقال : استعيذوا بالله من عذاب القبر ، مرتين ، أو ثلاثا ، ( ثم قال : اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر ) ( ثلاثا ) ، ثم قال : إن العبد المؤمن إذا كان في انقطاع من الدنيا ، وإقبال من الاخرة ، نزل إليه ملائكة من السماء ، بيض الوجوه ، كأن وجوههم الشمس ، معهم كفن من أكفان الجنة ، وحنوط11من حنوط الجنة ، حتى يجلسوا منه مد البصر ، ثم يجيئ ملك الموت عليه السلام12حتى يجلس عند رأسه فيقول : أيتها النفس الطيبة ( وفي رواية : المطمئنة ) ، أخرجي إلى مغفرة من الله ورضوان ، قال : فتخرج تسيل كما تسيل القطرة من في السقاء ، فيأخذها ، ( وفي رواية : حتى إذا خرجت روحه صلى الله عليه كل ملك بين السماء والارض ، وكل ملك في السماء ، وفتحت له أبواب السماء ، ليس من أهل باب إلا وهم يدعون الله أن يعرج بروحه من قبلهم ) ، فإذا أخذها لم يدعوها في يده طرفة عين حتى يأخذوها فيجعلوها في ذلك الكفن ، وفي ذلك الحنوط ، ( فذلك قوله تعالى : { توفته رسلنا وهم لا يفرطون} ، ويخرج منها كأطيب نفحة مسلك وجدت على وجه الارض ، قال : فيصعدون بها فلا يمرون - يعن - بها على ملا من الملائكة إلا قالوا : ماهذا الروح الطيب ؟ فيقولون : فلان ابن فلان - بأحسن أسمائه التي كانوا يسمونه بها في الدنيا ، حتى ينتهوا بها إلى السماء الدنيا ، فيستفتحون له ، فيفتح لهم ، فيشيعه م نكل سماء مقربوها ، إلى المساء التي تليها ، حتى ينتهي به إلى السماء السابعة ، فيقول الله عزوجل : {اكتبوا كتاب عبدي في عليين ، وما أدراك ما عليون : كتاب مرقوم يشهده المقربون} ، فيكتب كتابه في عليين ، ثم يقال ) : أعيدوه إلى الارض ، فإني ( وعدتهم أني ) منها خلقتهم ، وفهيا أعيدهم ومنها أخرجهم تارة أخرى ، قال : فـ ( يرد إلى الارض ، و) تعاد روحه في جسده ، ( قال : فانه يسمع خفق نعال أصحابه إذا ولوا عنه ) ( مدبرين ) . فيأتيه ملكان ( شديدا الانتهار ) فـ ( ينتهرانه ، و) يجلسانه فيقولان له : من ربك ؟ فيقول : ربي الله ، فيقولان له : ما دينك ؟ فيقول : ديني الاسلام فيقولان له : ما هذا الرجل الذي بعثت فيكم ؟ فيقول : هو رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فيقولان له : وما عملك ؟ فيقول : قرأت كتاب الله فآمنت به ، وصدقت ، ( فينتهره فيقول : من ربك ؟ ما دينك ؟ من نبيك ؟ وهي آخر فتنة تعرض على المؤمن ، فذلك حين يقول الله عزوجل ( يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا ) ، فيقول : ربي الله ، وديني الاسلام ، ونبيي محمد صلى الله عليه وسلم ، فينادي مناد في السماء : أن صدق عبدي ، فافرشوه من الجنة ، وألبسوه م نالجنة ، وافتحوا له بابا إلى الجنة ، قال : فيإتيه من روحها وطيبها ، ويفسح له في قبره مد بصره ، قال : ويأتيه ( وفي رواية : يمثل له ) رجل حسن الوجه ، حسن الثياب ، طيب الريح ، فيقول : ابشر بالذي يسرك ، ( ابشر برضوان من الله ، وجنات فيها نعيم مقيم ) ، هذا يومك الذي كنت توعد ، فيقول له : ( وأنت فبشرك الله بخير ) من أنت فوجهك الوجه يجيئ بالخير ، فيقول : أنا عملك الصالح ( فوالله ما علمتك إلا كنت سريعا في إطاعة الله ، بطيئا في معصية الله ، فجزاك الله خيرا ) ، ثم يفتح له باب من الجنة ، وباب من النار ، فيقال : هذا منزلك لو عصيت ، الله ، أبد لك الله به هذا فإذا رأى ما في الجنة قال : رب عجل قيام الساعة ، كيما أرجع إلى أهل ومالي ، ( فيقال له : اسكن ) ، قال : وإن العبد الكافر ( وفي رواية : الفاجر ) إذا كان في انقطاع من الدنيا ، وإقبال من الاخرة ، نزل إليه من السماء ملائكة ( غلاظ شداد ) ، سود الوجوه ، معهم المسوح13 ( من النار ) ، فيجلسون منه مد البصر ، ثم يجيئ ملك الموت حتى يجلس عند رأسه ، فيقول : إيتها النفس الخبيثة اخرجي إلى سخط من الله وغضب ، قال : فتفرق في جسده فينتزعها كما ينتزع السفو ( الكثير الشعب ) من الصوف المبلول ، ( فتقطع معها العروق والعصب ) ، ( فيلعنه كل ملك بين السماء والارض ، وكل ملك في السماء وتغلق أبواب السماء ، ليس من أهل باب إلا وهم يدعون الله ألا تعرج روحه من قبلهم ) ، فيأخذها ، فإذا أخذها ، لم يدعوها في يده طرفة عين حتى يجعلوها في تلك المسوح ، وبخرج منها كأنتن ريح جيفة وجدت على وجه الارض ، فيصعون بها ، فلا يمرون بها على ملا من الملائكة إلا قالوا : ما هذا الروح الخبيث ؟ فيقولون : فلان ابن فلان - بأقبح أسمائه التي كان يسمى بها في الدنيا ، حتى ينتهي به إلى السماء الدنيا فيستفتح له ، فلا يفتح له ، ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لا تفتح لهم أبواب السماء ولا يدخلون الجنة ، حتى يلج الجمل في سم الخياط ) 14فيقول الله عزوجل : {اكتبوا كتابه في سجين ، في الارض السفلى } ، ( ثم يقال : أعيدوا عبدي إلى الارض فإني وعدتهم أني منها خلقتهم ، وفيها أعيدهم ، ومنها أخرجهم تارة أخرى ) ، فتطرح روحه ( من السماء ) طرحا ( حتى تقع في جسده ) ثم قرأ{ ومن يشرك بالله ، فكأنما خر من السماء فتخطفه الطير أو تهوي به الريح في مكان سحيق } ، فتعاد روحه في جسده ، ( قال : فإنه ليسمع خفق نعال أصحابه إذا ولو عنه ) . ويأتيه ملكان ( شديدا الانتهار ، فينتهرانه ، و) يجلسانه ، فيقولان له : من ربك ؟ ( فيقول : هاه هاه15لا أدري ، فيقول له : ما دينك ؟ فيقول : هاه هاه لا آدري ) ، فيقولن : فما تقول في هذا الرجل الذي بعث فيكم ) فلا يهتدي لاسمه ، فيقال : محمد فيقول ) هاه هاه لا أدري ( سمعت الناس يقولون ذاك قال : فيقال : لا دريت ) ، ( ولا تلوت ) ، فينادي مناد من السماء أن كذب ، فافشروا له من النار ، وافتحوا له ا إلى النار ، فيإتيه من حرها وسمومها ، ويضيق عليه قبره حتى تختلف فيه أضلاعه ، ويأتيه ( وفي رواية : ويمثل له ) رجل قبيح الوجه ، قبيح الثياب ، منتن الريح ، فيقول : أبشر بالذي يسوؤك ، هذا يومك الذي كنت توعد ، فيقول ( وأنت فبشرك الله بالشر ) من أنت ؟ فوجهك الوجه يجيئ بالشر ؟ فيقول : أنا عملك الخبيث ؟ ( فو الله ما علمت إلا كنت بطيئا عن طاعة الله ، سريعا إلى مصية الله ) ، ( فجزاك الله شرا ، ثم يقيض له أعمى أصم أبكم في يده مرزبة لو ضرب بها جبل كان ترابا ، فيضربه ضربة حتى يصير بها ترابا ، ثم يعيده الله كما كان ، فيضربه ضربة أخرى ، فيصيح صيحة يسمعه كل شئ إلا الثقلين ، ثم يفتح له باب من النار ، يمهد من فرش النار ) . فيقول : رب لا تقم الساعة " . أخرجه أبو داود ( 2/281 ) والحاكم ( 1/37 - 40 ) والطيالسي ( رقم 753وأحمد ( 4/287 ، 288و288و295و296 ) والسياق له والاجري في " الشريعة " ( 367 - 370 ) .
وروى النسائي ( 1/282 ) وابن ماجه ( 1/469 - 470 ) القسم الاول منه إلى قوله : وكأن على رؤوسنا الطير " . وهو رواية لابي داود ( 2/70 ) بأخصر منه وكذا أحمد ( 4/297 ) وقال الحاكم : " صحيح على شرط الشيخين " .
وأقره الذهبي ، وهو كما قالا ، وصححه ابن القيم في " إعلام الموقعين " ( 1/214 ) ، " تهذيب السنن " ( 4/337 ) ، ونقل فيه تصحيحه عن أبي نعيم وغيره16
109 - ويجوز إخراج الميت من القبر لغرض صحيح ، كما لو دفن قبل غسله وتكفينه ونحو ذلك ، لحديث جابر بن عبد الله قال : أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن أبي بعد ما أدخل حفرته ، فأمر به فأخرج ، فوضعه على ركبتيه ، ونفث عليه من ريقه ، وألبسه قميصه ( قال جابر : وصلى عليه ) ، فالله أعلم17 ، وكان كسا عباسا قميصا ) " أخرجه البخاري ( 3/167 ) والسياق مع الزيادة الاخيرة له ، ومسلم ( 8/120 ) والنسائي ( 1/284 ) والزيادة الاولى له ، وابن الجارود ( 260 ) والبيهقي ( 3/402 ) وأحمد ( 3/381 ) من طريق عمرو بن دينار سمعه من جابر .
وله طريق أخرى : عن أبي الزبى عن جابر قال : " لما مات عبد الله بن أبي ، أتي ابنه النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله إن لم تأته لم نزل نعير بهذا ، فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم فوجده قد أدخل في حفرته ، فقال : أفلا قبل إن تدخلوه ؟ فأخرج من حفرته فتفل عليه من قرنه إلى قدمه ، وألبسه قميصه " . أخرجه أحمد ( 3/371 ) والطحاوي في " المشكل " ( 1/14/15 ) بسند على شرط مسلم ، لكن أبو الزبير مدلس وقد عنعه .
110 - ولا يستحب للرجل أن يحفر قبره قبل أن يموت ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعل ذلك هو ولا أصحابه ، والعبد لا يدري أين يموت ، وإذا كان مقصود الرجل الاستعداد للموت ، فهذا يكون من العمل الصالح .
كذا في " الاختيارات العلمية " لشيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى .
*********************
1 وهم الاب وآباؤه ، والابن وأبناؤه : ثم الاخوة الاشقاء ، ثم الذين للاب ، ثم بنوهم ، ثم الاعمام للاب والام ثم للاب ثم بنوهم ، ثم كل ذي رحم محرمه . كذا في " المحلى " ( 5 / 143 ) ، ونحوه في " المجموع " ( 5 / 290 )
2 قلت : وهو والذي قبله من مرسل الشعبي ، شاهد قوي لحديث علي رضى الله عنه .
3 وقد ذهب إلى جواز دفن الرجل لزوجته الشافعية ، بل قالوا : إنه أحق بذلك من أوليائها الذين ذكرنا وعكس ذلك ابن حزم فجعله بعدهم في الاحقية ، ولعله الاقرب لما سبق من عموم الاية
4 أي يجامع كما في " النهاية " ، واستبعد هذا التفسير الطحاوي بدون أي دليل ، فلا يلتفت إليه
5 قال النووي في " المجموع " ( 5 / 289 ) : " هذا الحديث من الاحاديث التي يحتج بها في كون الرجال هم الذين يتوا عن الدفن وإن كان الميت امرأة ، قال : ومعلوم أن أبا طلحة رضي الله عنه أجنبي عن بنات النبي صلى الله عليه وسلم ، ولكنه كان من صالحي الحاضرين ، ولم يكن هناك رجل محرم إلا النبي صلى الله عليه وسلم ، فلعله كان له عذر في نزول قبرها ، وكذا زوجها ، ومعلوم أنها أختها فاطمة وغيرها من محارمها وغيرهن هناك ، فدل على أنه لا مدخل للنساء في إدخال القبر والدفن " . وقال الحافظ في " الفتح " : في الحديث البعيد ايثار البعيد العهد عن الملاذ في مواراة الميت ولو كان امرأة على الاب والزوج ، وقيل : إنما اثره بذلك لانها كانت صنعته ، وفيه نظر ، فإن ظاهر السياق أنه اختاره لذلك لكونه لم يقع منه في تلك الليلة جماع " . قلت : والحديث ظاهر الدلالة على ما ترجمنا له ، وبه قال ابن حزم رحمه الله ( 5 / 144 - 145 ) ، ومن الغرائب أن عامة كتب الفقه التي كنت وقفت عليها ، أو راجعتها بهذه المناسبة لم تتعرض لهذه المسألة ، لا نفيا ولا إثباتا ، وهذا دليل من أدلة كثيرة على أنه لا غنى للفقيه عن كتب السنة خلافا لما يظنه المتعصبة للمذاهب أن كتب الفقه تغني عن كتب الحديث بل وعن كتاب الله تبارك وتعالى عما يقول الظالمون علوا كبيرا ، أنظر " سلسلة لاحاديث
الاحاديث الصحيحة " ( ج 1 ص 128 - 129 طبع المكتب الاسلامي ) .
6 هو حماد بن أبي سليمان من شيوخ أبي حنيفة كما في " فتح القدير " وغيره ، وأقول : بل الظاهر أنه أبو حنيفة نفسه بدليل قول الشافعي الاتي : " حتى روى عن حماد " فهذا صريح أنه غير حماد وإنما هو أبو حنيفة .
7 وما دل عليه هذا الحديث الموقوف ثم المرفوع قبله هو مذهب أحمد وعليه أكثر أصحابه كما في " الانصاف " ( 2 / 544 ) خلافا لحنفية ك ما سبق في كلام الشافعي ، واحتج لهم ابن الهمام بحديث ابن عباس أنه صلى الله عليه وسلم دخل قبرا . . فأخذه من قبل القبلة . . . رواه الترمذي وقال : " حديث حسن " . قال ابن الهمام ( 1 / 470 ) : " من أن فيه الحجاج بن أرطاة ومنها ل بن خليفة ، وقد اختلفوا فيهما ، قال : ذلك يحط الحديث عن درجة الصحيح ، لا الحسن " . قلت : بل ذلك يحطه عن درجة الحسن لان الحجاج مدلس وقد عنعنه ، وحديث المدلس المعنعن غير مقبول عند العلماء وهو أحد الحديثين اللذين ضفهما البيهقي كما سبقت الاشارة الى ذلك في أول المسألة ، ولذلك أنكر النووي ( 5 / 295 ) على الترمذي تحسينه إياه فقال : " لا يقبل قول الترمذي فيه : إنه حسن لان الحجاج بن أرطاة ضعيف باتفاق المحدثين " . وقال الزيلعي : ( 2 / 300 ) بعد أن حكى قول الترمذي : " وأنكر عليه لان مداره على حجاج بن أرطاة ، وهو مدلس ولم يذكر سماعا ، ومنهال ضعفه ابن معين . . . " قلت : فهذا هو الحق عند من ينصف أن هذا الحديث ضعيف وحديث عبد الله بن يزيد صحيح ، ومن الغرائب أن ابن الهمام سلم بصحته ، ولكنه رده من أصله بحجة أنه فعل صحابي ظن السنة ذلك يقول هذا مع أن مذهبه أن قول الصحابي ، السنة كذا في معنى الحديث المسند كما نقلناه عنه في المسألة ( 77 ) ( ص 120 ) وراجع المسإلة ( 73 ) ( ص109 ، 110 ) فقيه رد على نوع آخر من التعصب وتخطئة الصحابة بدون حجة
8 وأما استحباب بعض المتأخرين من الفقهاء أن يقول في الحثية الاولى ( منها خلقناكم ) ، وفي الثانية ( وفيها نعيدكم ) ، وفي الثالثة ( ومنها نخرجكم تارة أخرى ) فلا أصل له في شئ من الاحاديث التي أشرنا إليها في الاعلى : وأما قول النووي ( 5 / 293 - 294 ) : وقد يستدل له بحديث أبي أمامة رضي الله عنه قال : " لما وضعت أم كلثوم بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في القبر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( منها خلقنا كم ، وفيها نعيدكم ، ومنها تخريجكم تارة أخرى ) " ، رواه الامام أحمد من رواية عبيد الله بن زحر عن علي بن زيد بن جدعان عن القاسم ، وثلاثتهم ضعفاء لكن يستأنس بأحاديث الفضائل وإن كانت ضعيفة الاسناد ، ويعمل ها في الترغيب والترهيب ، وهذا مها ، والله أعلم " . فالجواب عليه من وجه : الاول : أن الحديث ليس فيه التفصيل المزعوم استحبابه فلا حجة فيه أصلا لو صح سنده . الثاني : أن التفصيل المذكور لم يثبت في الرع أنه من فضائل الاعمال حتى يقال يعمل بهذا الحديث لانه في فضائل الاعمال ، بل إن تجويز العمل به معناه إثبات مشروعية عمل بحديث ضعيف وذلك لا يجوز لان المشروعية أقل درجاتها الاستحباب : وهو حكم م الاحكام الخمسة التي لا تثبت إلا بدليل صحيح ، ولا يجدي فيها الضعيف باتفاق العلماء . الثالث أن الحديث ضعيف جدا ، بل هو موضوع في نقد ابن حبان ، فإنه في " مسند أحمد " ( 5 / 254 ) من طريق عبيد الله بن زحر عن علي بن يزيد ، وهو الالهاني وقول النووي " علي بن زيد بن جدعان " خطأ ، لمخالفته لما في " المسند " قال ابن حبان : " عبيد الله بن زحر ، يروي الموضوعات عن الاثبات ، وإذا روى عن علي بن يزيد أتي بالطامات ، وإذا اجتمع في إسناد خبر عبيد الله وعلي بن يزيد والقاسم أبو عبد الرحمن لم يكن ذلك الخبر إلا مما عملته أيديهم " ابن حجر في " تبيين العجب فيما ورد في فضل رجب " .
9 قال الشافعي في " الام " ( 1 / 245 - 246 ) ما مختصره : " وأحب أن لا يزاد في القبر تراب من غيره ، لانه إذا زيد ارتفع جدا ، وإنما أحب أن يشخص على وجه الارض شبرا أو نحوه " . ونقل النووي في " المجموع " ( 5 / 296 ) اتفاق أصحاب الشافعي على استحباب الرفع ، بالقدر المذكور
10 وكذا قال ابن القيم في " زاد المعاد " ( 1 / 206 ) ، وضعفه النووي وغيره كما ذكرته في " التعليقات الجياد " ، وقال الصنعاني في " سبل السلام " ( 2 - 161 ) : ثم حققت القول فيه في " سلسلة الاحاديث الضعيفة " ( 599 ) " ويحتمل من كلام أئمة لا تحقيق أنه حديث ضعيف ، والعمل به بدعة ، ولا يغتر بكثرة من يفعله " . ويعجبني منه قوله : " والعمل به بدعة " ، وهذه حقيقة طالما ذهل عنها العلماء ، فإنهم يشرعون بمثل هذا الحديث كثيرا من الامور ويستحبونها اعتمادا منهم على قاعدة " يعمل بالحديث الضعيف في فضائل الاعمال " ولم يتنبهوا إلى أن محلها فيما ثبت بالكتاب والسنة مشروعيته وليس بمجرد الحديث الضعيف ، وقد سبق لهذا مثال في التعليق ( ص 153 ) . وأذكر إن للامام الشاطبي في " الموافقات " كلاما جيدا حول هذه القاعدة فليراجع .
11 بفتح المهملة ما يخلط من لاطيب لاكفان الموتى وأجسامهم خاصة .
12 قلت : هذا هو اسمه في الكتاب والسنة ( ملك الموت ) ، وأما تسميته ( بعزرائيل ) فمما لا أصل له ، خلافا لما هو المشهور عند الناس ، ولعله من الاسرائيليات
13 جمع المسح ، بكسر الميم ، وهو ما يلبس من نسيج الشعر على البدن تقشفا وقهرا للبدن .
14 أي ثقب الابرة ، والجملى هو الحيوان المعروف ، وهو ما أتى عليه تسع سنوات
15 هي كلمة تقال في الضحك وفي الايعاد ، وقد تقال للتوجع ، وهو أليق بمعنى الحديث والله أعلم ، كذا في " الترغيب " .
16 والزيادة الاولى لابي داود وابن ماجه والحاكم ، ، والثانية لاحمد والطيالسي ، والثالثة له والحاكم ، والرابعة لاحد ، والخامسة ، وله السادسة والثامنة ، والسابعة للحاكم ، والثامنة للطيالسي ، والتاسعة لاحمد لابي داود والحادية عشر والثانية عشر للطيالسي ، والثالثة عشر لاحمد والرابعة عشر الطيالسي والخامسة عشر له وكذا أحمد ، والسادسة عشر له أيضا ولاحمد نحوه ، وله السابعة عشر والثامنة عشر والتاسعة عشر والعشرون والواحدة والعشرون ، والحاكم الاخيرتان منها ، والثانية والعرون لاحمد والثالثة والعشرون والخامسة والعشرون للحاكم ، والرابعة والشعرون للطيالسي والسادسة والعشرون لاحمد ، والسابعة والعشرون للطيالسي ، والثامنة والعشرون لابي داود ، والتاسعة والثلاثون للطيالسي ، ، ولاحمد الزيادات الباقية والثالثة والثلاثون منها للطيالسي ولفظها له وأما الرواية الثانية فهي للحاكم ، ولاحمد الثالثة ، وللحاكم والطيالسي الرابعة والخامسة والسادسة .
17 يعني بالحكمة التي من أجلها فعل صلى الله عليه وسلم ذلك بابن أبي مع كونه كان منافقا كما تقدم في المسألة ( 60 ) ، والظاهر أن هذا كان قبل نزول قوله تعالى ( ولا تصل عل يأحد منهم مات أبدا ، ولا تقم على قبره ) الآية ، وحينئذ يمكن فهم الحكمة مما علقناه هناك .
يعني العباس بن عبد المطلب عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وذلك يوم بدر ، لما أتي بالاساري ، وأتى بالعباس ، ولم يكن عليه ثوب ، فوجدوا قميص عبد الله بن أبي ، فكساه النبي صلى الله عليه وسلم إياه ، فلذلك ألبسه النبي صلى الله عليه وسلم قميصه ، هكذا ساقه البخاري في " الجهاد " ، فيمكن أن يكون هذا هو السبب في لباسه
قميصه . ويمكن أن يكون السببب ما أخرجه البخاري أيضا في " الجنائز " أن ابن عبد الله المذكور قال : يا رسول الله ألبس أبي قميصك الذي يلي جلدك ، وفي رواية أنه قال : اعطني قميصك أكفنه فيه - ويمكن أن يكون السبب هو المجموع : السؤال والمكافاة ، ولا مانع من ذلك ، كذا في " نيل الاوطار " ويمكن أن يكون السبب هو المجموع : السؤال والمكافأة ، ولا مانع ما ذلك . كذا في " نيل الاوطار " ( 4 - 97 ) .
99 - ويتولى إنزال الميت ولو كان أنثى - الرجال دون النساء لامور :
الاول : أنه المعهود في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، وجرى عليه عمل المسلمين حتى اليوم ويأتي فيه حديث أنس في المسألة ( 99 ) .
الثاني : أن الرجال أقوى على ذلك ،
الثالث : لو تولته النساء أفضى ذلك إلى انكشاف شئ من أبدانهن أمام الاجانب وهو غير جائز .
100 - وأولياء الميت أحق بإنزاله ، لعموم قوله تعالى{ وأولوا الارحام1 بعضهم أولى ببعض في كتاب الله } . ( الانفال : 75 ) . ولحديث علي رضي الله عنه قال : " غسلت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فذهبت أنظر ما يكون من الميت ، فلم أر شيئا ، وكان طيبا حيا وميتا ، وولي دفنه وإجنانه دون الناس أربعة : علي والعباس والفضل وصالح مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولحد لرسول الله لحدا ، ونصب عليه اللبن عليه اللبن نصبا " . أخرجه الحاكم ( 1/362 ) وعنه البيهقي ( 4/53 ) بسند صحيح ، وصححه الحاكم على شرط الشيخين ووافقه الذهبي .
وله شاهد من حديث ابن عباس سبق ذكره في المسألة ( 94 ) ، ( ص 144 - 145 ) وشاهد آخر عن الشعبي مرسلا ، ولم يذكر صالحا مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم .
أخرجه أبو داود ( 2/69 ) بسند صحيح عنه .
وله عن مرحب أو ابن أبي مرحب " أنهم ( يعني عليا والفضل وأخاه ) أدخلوا معهم عبد الرحمن بن عوف ، فلما فرغ علي قال : إنما يلي الرجل أهله " .
ومرحب أو ابن أبي مرحب مختلف في صحبته2 .
وعن عبد الرحمن بن أبزي قال : " صليت مع عمر بن الخطاب على زينب بنت جحش بالمدينة ، فكبر أربعا ثم أرسل إلى أزواج النبي صلى الله عليه وسلم : من يأمرون أن يدخلها القبر ؟ قال : وكان يعجبه أن يكون هو الذي يلي ذلك : فأرسلن إليه : انظر من كان يراها في حال حياتها فليكن هو الذي يدخلها القبر ، فقال عمر : صدقتن " . أخرجه الطحاوي ( 3/304 - 305 ) والبيهقي ( 3/53 ) بسند صحيح .
101 - ويجوز للزوج أن أن يتولى بنفسه دفن زوجته ، لحديث عائشة رضي الله تعالى عنها قالت : " دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم في اليوم الذي بدئ فيه ، فقلت ، وارسأاه ، فقال : وددبت أن ذلك كان وأنا حي ، فهيتأت ك ودفنتك ، قالت : فقلت غيري : كأني بك في ذلك اليوم عروسا ببعض نسائك قال : وأنا وارأساه ادعي لي أباك وأخاك حتي أكتب لابي بكر كتابا فإني أخاف أن يقول قائل ويتمنى متمن : أنا أولى وبأبي الله عزوجل والمؤمنون إلا أبا بكر " . أخرجه أحمد ( 6 / 144 ) بإسناد صحيح على شرط الشيخين ، وهو في " صحيح البخاري " بنحوه ( 10/101 ، 102 ) ، ومسلم ( 7/110 ) مختصرا ، وله طريق أخرى عن عائشة تقدم ( ص 50 ) 3
102 - لكن ذلك مشروط بما إذا كان لم يطإ تلك الليلة ، وإلا لم يشرع له دفنها ، وكان غيره هو الاولى بدفنها ولو أجنبيا بالشرط المذكور ، لحديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال : " شهدنا ابنة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس على القبر فرأيته عينيه تدمعان ثم قال : هل منكم من رجل لم يقارف4 الليلة ( أهله ) ؟ فقال أبو طلحة : ( نعم ) أنا يا رسول الله قال : فانزل ، قال فنزل في قبرها ( فقبرها ) " . وفي رواية عنه : " أن رقية رضي الله عنها لما ماتت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لا يدخل القبر رجل قارف " الليلة " أهله ، فلم يدخل عثمان بن عفان رضي الله عنه القبر ) . أخرج الرواية الاولى البخاري في " صحيحه " ( 3/122 ، 162 ) والطحاوي في " المشكل " ( 3/304 ) والحاكم ( 4/47 ) والبيهقي ( 4/53 ) وأحمد ( 3/126 ، 228 ) والسياق له ، وعنده الزيادة الثانية في رواية له ، وعند الطحاوي والحاكم الاولى ، والبخاري الاخيرة .
وأخرج الرواية الثانية أحمد ( 3/229 - 270 ) والطحاوي ( 3/202 ) والحاكم ( 4/47 ) وابن حزم ( 5/145 ) من طريق أخرى عن أنس ، والسياق لاحمد ، والزيادة للحاكم وقال : " حديث صحيح على شرط مسلم " .
وهو كما قال ، وأقره الذهبي ، إلا أن بعض الائمة قد استنكر منه تسميته البنت " رقية " فقال البخاري في التاريخ الاوسط " :
" ما أدري ما هذا ؟ فإن رقية ماتت والنبي صلى الله عليه وسلم ببدر لم يشهدها " . ورجح الحافظ في " الفتح " أن الوهم فيه من حماد بن سلمة ، وأنها أم كلثوم زوج عثمان ، فراجعه ، وهو الذي جزم به الطحاوي في " المشكل " وقال " " وكانت وفاتها في سنة تسع من الهجرة " 5 .
103 - والسنة إدخال الميت من مؤخر القبر ، لحديث أبي إسحاق قال : " أوصي الحارث أن يصلي عليه عبد الله بن يزيد ، فصلى عليه ، ثم أدخله القبر من قبل رجلي القبر وقال : من السنة " . أخرجه ابن أبي شيبة في " المصنف " ( 4/130 ) وأبو داود ( 2/69 ) ومن طريقه البيهقي ( 4/54 ) وقال :
هذا إسناد صحيح ، وقد قال : " هذا من السنة " فصار من المسند " .
قلت : ثم روى له شواهد من حديث ابن عباس وغيره : ، وقال : " هذا هو المشهور فيما بين أهل الحجاز " .
ثم ساق حديثين في أن النبي صلى الله عليه وسلم أدخل من قبل القبلة ، وضعفهما ، وهو كما ذكر ، وقد أعل الشافعي رحمه الله تعالى الحديث الثاني منهما من جهة متنه أيضا بحجة أنه غير ممكن عمليا ، فقال في " الام " ( 1/241 ) :
" أخبرني الثقات من أصحابنا أن قبر النبي صلى الله عليه وسلم على يمين الداخل من البيت لا صق بالجدار ، والجدار الذي اللحد لجنبه قبلة البيت ، وأن لحده تحت الجدار ، فكيف يدخل معترضا واللحد لاصق بالجدار ، لا يقف عليه شئ ، ولا يمكن إلا أن يسل سلا ، أو يدخل من خلاف القبلة ، وأمور الموتى وإدخالهم من الامور المشهورة عندنا لكثرة الموت ، وحضور الائمة ، وأهل الثقة ، وهو من الامور العامة التي يستغني فيها عن الحديث ، ويكون الحديث فهيا كالتكليف بعموم معرفة الناس لها ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم والمهاجرون والانصار بين أظهرنا بين أظهرنا بنقل العامة عن العامة لا يختلفون في ذلك أن الميت يسل سلا ، ثم جاءنا آت6من غير بلدنا يعلمنا كيف ندخل الميت7ثم لم يعلم ( كذا الاصل ، وفي " المجموع " نقلا عن " الام " ( لم يرض ) ( ولعله الصواب ) حتى روى عن حماد عن ابراهيم أن النبي صلى الله عليه وسلم أدخل معترضا " . ثم ساق الشافعي حديث ابن عباس وغيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سل من قبل رأسه . قلت : ورجاله ثقات رجال الشيخين غير شيخ الشافعي وهو مجهول لم يسم ، لان الشافعي قال : " أخبرنا الثقة عن عمرو عن عطاء عنه " . وعن ابن سيرين قال : " كنت مع أنس في جنازة فأمر بالميت فسل من قبل رجل القبر " . أخرجه أحمد ( 4081 ) وابن أبي شيبعة ( 4/130 ) وسنده صحيح
104 - ويجعل الميت في قبره على جنبه اليمين ، ووجهه قبالة القبلة ، ورأسه ورجاله إلى يمين القبلة ويسارها ، على هذا جرى عمل أهل الاسلام من عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا وهكذا كل مقبرة على ظهر الارض ، كذا في " المحلى " ( 5/ 173 ) وغيره .
105 - ويقول الذي يضعه في لحده : " بسم الله ، وعلى سنة رسول الله ، أو : ملة رسول الله صلى الله عليه وسلم " . والدليل عليه حديث ابن عمر : " أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا وضع الميت في القبر قال : ( وفي لفظ : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : أذا وضعتم موتاكم في القبور فقولوا ) : بسم الله ، وعى سنة ( وفي رواية : ملة ) رسول الله " . أخرجه أبو داود ( 2/70 ) والترمذي ( 2/152 ، 153 ) وابن ماجه ( 1/470 ) وابن حبان في " صحيحه " ( 773 ) والحاكم ( 1/366 ) والبيهقي ( 4/55 ) وأحمد ( رقم4990 ، 5233 ، 6111 ) من طريقين عن ابن عمر .
واللفظ الاول لابي داود وابن ماجه وابن السني ، واللفظ الاخر للباقين ، وأما الرواية الاخرى فهي للترمذي وابن ماجه والحاكم ، ورواية لاحمد ، ومعناهما واحد ، وقال الترمذي : " حديث حسن " .
وقال الحاكم ووافقه الذهبي : " صحيح على شرط الشيخين " .
قلت : وهو كما قالا : ولا يضره رواية بعضهم له موقوفا لامرين :
الاول : أن الذي رفعه ثقة ، وهي زيادة منه ، فيجب قبولها ويؤيده
الامر الثاني : أنه روي مرفوعا من الطريق الاخر . أو يقول : " بسم الله ، وبالله ، وعلى ملة رسول الله صلى الله عليه وسلم " . لحديث البياضي رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " الميت إذا وضع في قبره : فليقل الذين يضعونه حين يوضع في اللحد : باسم الله ، وبالله على ملة رسول الله صلى الله عليه وسلم " . إخرجه الحاكم شاهدا للحديث الذي قبله . وإسناده حسن
106 - ويستحب لمن عند القبر أن يحثو من التراب ثلاث حثوات بيديه جميعا بعد الفراغ من سد اللحد ، لحديث أبي هريرة : " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى على جنازة ثم آتي الميت فحتى عليه من قبل رأسه ثلاثا " . أخرجه ابن ماجه ( 1/474 ) بإسناد قال ( 5/292 ) : " جيد " . لكن قال الحافظ : " ظاهره الصحة " . ثم ذكر أنه معلول بعنعقة بعض رواته كما بينته في " التعليقات الجياد " ، لكن الحديث قوي بما له من الشواهد ، وقد ذكرها الحافظ في " تلخيص الحبير " ( 5/222 ) فليراجعها من شاء ، ثم تبى نلي أن الاعلال المشار إليه غير قادح ، كما حققته في الارواء ( 743 ) 8 .
107 - ويسن بعد الفراغ من دفنه أمور :
الاول : أن يرفع القبر عن الارض قليلا نحو شبر ، ولا يسوى بالارض ، وذلك ليتميز فيصان ولا يهان لحديث جابر رضي الله عنه : " أن النبي صلى الله عليه وسلم ألحد له لحد ، ونصب اللبن نصبا ، ورفع قبره من الارض نحوا من شبر " . رواه ابن حبان في " صحيحه " ( 2160 ) والبيهقي ( 3/410 ) وإسناده حسن .
وله شاهد عن صالح بن أبي صالح قال ، " رأيت قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم شبرا أو نحو شبر " . رواه أبو داود في " المراسيل " .
ويؤيده ما سيأتي من النهي عن الزيادة على التراب الخارج من القبر ، فإن من المعلوم أنه يبقى بعد الدفن على القبر التراب الذي أخرج من القبر ، فإن من المعلوم أنه يبقى بعد الدفن على القبر التراب الذي أخرج من اللحد الذي شغله جسم الميت ، وذلك يساوي القدر المذكور في الحديث تقريبا 9 .
الثاني : أن يجعل مسنما ، لحديث سفيان التمار قال : " رأيت قبر النبي صلى الله عليه وسلم ( وقبر أب بكر وعمر ) مسنما " . أخرجه البخاري ( 3/198 - 199 ) والبيهقي ( 4/3 ) . ورواه ابن أبي شيبة وأبو نعيم في " المستخرج " كما في " التلخيص " والزيادة لهما .
ولا يعارض ذلك ما روى عن القاسم قال : " دخلت على عائشة فقلت : يا أمة آكشفى لي عن قبر النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبيه رضي الله عنهما ، فكشفت لي عن ثلاثة قبور لا مشرفة ولا لاطئعة ، مبطوحة ببطحاء العرصة الحمراء " . أخرجه أبو داود ( 2/70 ) والحاكم ( 1/369 ) وعنه البيهقي ( 4/3 ) وابن حزم ( 5/134 ) من طريق عمرو بن عثمان بن هاني عن القاسم به ، وقال الحاكم : " صحيح الاسناد " ووافقه الذهبي وأما البيهقي فقال : " إنه أصح من حديث سفيان التمار " وقد رد عليه ابن التركماني : " هذا خلاف اصطلاح أهل هذا الشأن ، بل حديث التمار أصح لانه مخرج في صحيح البخاري ، وحديث القاسم لم يخرج في شئ من الصحي "
قلت : هذا الرد لا يكفي قد يكون إسناد الحديث المخالف لحديث البخاري أصح وأقوى من سند البخاري ، فلا يتم ترجيح حديث التمار إلا ببيان علة حديث القاسم أو على الاقل بيان إنه دونه في الصحة ، وهو الواقع هنا فإن علته عمرو بن عثمان ابن هانئ ، وهو مستور كما قال الحافظ في " التقريب " ولم يوثقه أحد ألبتة ، فتصحيح الحاكم لحديثه من تساهله المعروف ، ومتابعة الذهبي له من أوهامه الكثيرة التي لا تخفى على من تتبع كلامه في " تلخيص المستدرك " .
ثم إنه لو صح فليس معارضا لحديث التمار لان قوله " مبطوح " ليس معناه مسطح بل ملقى فيه البطحاء وهو الحصى الصغيرة كما في " النهاية " ، وهو ظاهر في الخبر نفسه : " مبطوحة ببطحاء العرصة الحمراء فهذا لا ينافي التسنيم ، وبهذا جمع ابن القيم بين الحديثين فقال في " الزاد " :
" وقبره مسنم مبطوح ببطحاء العرصة ، الحمراء ، لامبني ولا مطين ، وهكذا كان قبر صاحبيه " .
الثالث : أن يعلمه بحجر أو نحوه ليدفن إليه من يموت من أهله ، لحديث المطلب ابن أبي وادعة رضي الله عنه قال : " لما مات عثمان بن مظعون أخرج بجنازته فدفن ، أمر النبي صلى الله عليه وسلم رجلا أن يأتيه بحجر فلم يستطع حمله ، فقام إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم وحسر عن ذراعية ، قال المطلب : قال الذي يخبرني عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : كأني أنظر إلى بياض ذراعي رسول الله صلى الله عليه وسلم حين حسر عنهما ، ثم حملها فوضعها عند رأسه ، وقال : أتعلم بها قبر أخي ، وأدفن إليه من مات من أهلي " . أخرجه أبو داود ( 2/69 ) وعنه البيهقي ( 3/412 ) بسند حسن كما قال الحافظ ( 5/229 ) ، والمطلب صحابي معروف أسلم يوم الفتح . وله شاهدان ذكرتهما في " التعليقات الجياد " .
الرابع : أن لا يلقن الميت التلقين المعروف لايوم ، لان الحديث الوارد فيه لا يصح10بل يقف على القبر بدعو له بالتثبيت ، ويستغفر له ، ويإمر الحاضرين بذلك لحديث عثمان بن عفان رضى الله عنه قال : " كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه فقال : استغفروا لاخيكم ، وسلوا له التثبيت ، فإنه الان يسإل " . أخرجه أبو داود ( 2/70 ) والحاكم ( 1/370والبيهقي ( 4/56 ) وعبد الله بن أحمد في " زوائد الزهد " ( ص 129 ) وقال الحاكم : " صحيح الاسناد " ، ووافقه الذهبي : وهو كما قالا ، وقال النووي ( 5/292 : " إسناده جيد " .
108 - ويجوز الجلوس عنده أثناء الدفن تذكير الحاضرين بالموت وما بعده ، لحديث البراء بن عازب قال : " خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في جنازة رجل من الانصار ، فانتهينا إلى القبر ولما يلحد ، فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم ( مستقبل القبلة ) ، وجلسنا حوله ، وكأن على رؤوسنا الطير ، وفي يده عوده ينكت في الارض ، ( فجعل ينظر إلى السماء ، وينظر إلى الارض ، وجعل يرفع بصره ويخفضه ، ثلاثا ) ، فقال : استعيذوا بالله من عذاب القبر ، مرتين ، أو ثلاثا ، ( ثم قال : اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر ) ( ثلاثا ) ، ثم قال : إن العبد المؤمن إذا كان في انقطاع من الدنيا ، وإقبال من الاخرة ، نزل إليه ملائكة من السماء ، بيض الوجوه ، كأن وجوههم الشمس ، معهم كفن من أكفان الجنة ، وحنوط11من حنوط الجنة ، حتى يجلسوا منه مد البصر ، ثم يجيئ ملك الموت عليه السلام12حتى يجلس عند رأسه فيقول : أيتها النفس الطيبة ( وفي رواية : المطمئنة ) ، أخرجي إلى مغفرة من الله ورضوان ، قال : فتخرج تسيل كما تسيل القطرة من في السقاء ، فيأخذها ، ( وفي رواية : حتى إذا خرجت روحه صلى الله عليه كل ملك بين السماء والارض ، وكل ملك في السماء ، وفتحت له أبواب السماء ، ليس من أهل باب إلا وهم يدعون الله أن يعرج بروحه من قبلهم ) ، فإذا أخذها لم يدعوها في يده طرفة عين حتى يأخذوها فيجعلوها في ذلك الكفن ، وفي ذلك الحنوط ، ( فذلك قوله تعالى : { توفته رسلنا وهم لا يفرطون} ، ويخرج منها كأطيب نفحة مسلك وجدت على وجه الارض ، قال : فيصعدون بها فلا يمرون - يعن - بها على ملا من الملائكة إلا قالوا : ماهذا الروح الطيب ؟ فيقولون : فلان ابن فلان - بأحسن أسمائه التي كانوا يسمونه بها في الدنيا ، حتى ينتهوا بها إلى السماء الدنيا ، فيستفتحون له ، فيفتح لهم ، فيشيعه م نكل سماء مقربوها ، إلى المساء التي تليها ، حتى ينتهي به إلى السماء السابعة ، فيقول الله عزوجل : {اكتبوا كتاب عبدي في عليين ، وما أدراك ما عليون : كتاب مرقوم يشهده المقربون} ، فيكتب كتابه في عليين ، ثم يقال ) : أعيدوه إلى الارض ، فإني ( وعدتهم أني ) منها خلقتهم ، وفهيا أعيدهم ومنها أخرجهم تارة أخرى ، قال : فـ ( يرد إلى الارض ، و) تعاد روحه في جسده ، ( قال : فانه يسمع خفق نعال أصحابه إذا ولوا عنه ) ( مدبرين ) . فيأتيه ملكان ( شديدا الانتهار ) فـ ( ينتهرانه ، و) يجلسانه فيقولان له : من ربك ؟ فيقول : ربي الله ، فيقولان له : ما دينك ؟ فيقول : ديني الاسلام فيقولان له : ما هذا الرجل الذي بعثت فيكم ؟ فيقول : هو رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فيقولان له : وما عملك ؟ فيقول : قرأت كتاب الله فآمنت به ، وصدقت ، ( فينتهره فيقول : من ربك ؟ ما دينك ؟ من نبيك ؟ وهي آخر فتنة تعرض على المؤمن ، فذلك حين يقول الله عزوجل ( يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا ) ، فيقول : ربي الله ، وديني الاسلام ، ونبيي محمد صلى الله عليه وسلم ، فينادي مناد في السماء : أن صدق عبدي ، فافرشوه من الجنة ، وألبسوه م نالجنة ، وافتحوا له بابا إلى الجنة ، قال : فيإتيه من روحها وطيبها ، ويفسح له في قبره مد بصره ، قال : ويأتيه ( وفي رواية : يمثل له ) رجل حسن الوجه ، حسن الثياب ، طيب الريح ، فيقول : ابشر بالذي يسرك ، ( ابشر برضوان من الله ، وجنات فيها نعيم مقيم ) ، هذا يومك الذي كنت توعد ، فيقول له : ( وأنت فبشرك الله بخير ) من أنت فوجهك الوجه يجيئ بالخير ، فيقول : أنا عملك الصالح ( فوالله ما علمتك إلا كنت سريعا في إطاعة الله ، بطيئا في معصية الله ، فجزاك الله خيرا ) ، ثم يفتح له باب من الجنة ، وباب من النار ، فيقال : هذا منزلك لو عصيت ، الله ، أبد لك الله به هذا فإذا رأى ما في الجنة قال : رب عجل قيام الساعة ، كيما أرجع إلى أهل ومالي ، ( فيقال له : اسكن ) ، قال : وإن العبد الكافر ( وفي رواية : الفاجر ) إذا كان في انقطاع من الدنيا ، وإقبال من الاخرة ، نزل إليه من السماء ملائكة ( غلاظ شداد ) ، سود الوجوه ، معهم المسوح13 ( من النار ) ، فيجلسون منه مد البصر ، ثم يجيئ ملك الموت حتى يجلس عند رأسه ، فيقول : إيتها النفس الخبيثة اخرجي إلى سخط من الله وغضب ، قال : فتفرق في جسده فينتزعها كما ينتزع السفو ( الكثير الشعب ) من الصوف المبلول ، ( فتقطع معها العروق والعصب ) ، ( فيلعنه كل ملك بين السماء والارض ، وكل ملك في السماء وتغلق أبواب السماء ، ليس من أهل باب إلا وهم يدعون الله ألا تعرج روحه من قبلهم ) ، فيأخذها ، فإذا أخذها ، لم يدعوها في يده طرفة عين حتى يجعلوها في تلك المسوح ، وبخرج منها كأنتن ريح جيفة وجدت على وجه الارض ، فيصعون بها ، فلا يمرون بها على ملا من الملائكة إلا قالوا : ما هذا الروح الخبيث ؟ فيقولون : فلان ابن فلان - بأقبح أسمائه التي كان يسمى بها في الدنيا ، حتى ينتهي به إلى السماء الدنيا فيستفتح له ، فلا يفتح له ، ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لا تفتح لهم أبواب السماء ولا يدخلون الجنة ، حتى يلج الجمل في سم الخياط ) 14فيقول الله عزوجل : {اكتبوا كتابه في سجين ، في الارض السفلى } ، ( ثم يقال : أعيدوا عبدي إلى الارض فإني وعدتهم أني منها خلقتهم ، وفيها أعيدهم ، ومنها أخرجهم تارة أخرى ) ، فتطرح روحه ( من السماء ) طرحا ( حتى تقع في جسده ) ثم قرأ{ ومن يشرك بالله ، فكأنما خر من السماء فتخطفه الطير أو تهوي به الريح في مكان سحيق } ، فتعاد روحه في جسده ، ( قال : فإنه ليسمع خفق نعال أصحابه إذا ولو عنه ) . ويأتيه ملكان ( شديدا الانتهار ، فينتهرانه ، و) يجلسانه ، فيقولان له : من ربك ؟ ( فيقول : هاه هاه15لا أدري ، فيقول له : ما دينك ؟ فيقول : هاه هاه لا آدري ) ، فيقولن : فما تقول في هذا الرجل الذي بعث فيكم ) فلا يهتدي لاسمه ، فيقال : محمد فيقول ) هاه هاه لا أدري ( سمعت الناس يقولون ذاك قال : فيقال : لا دريت ) ، ( ولا تلوت ) ، فينادي مناد من السماء أن كذب ، فافشروا له من النار ، وافتحوا له ا إلى النار ، فيإتيه من حرها وسمومها ، ويضيق عليه قبره حتى تختلف فيه أضلاعه ، ويأتيه ( وفي رواية : ويمثل له ) رجل قبيح الوجه ، قبيح الثياب ، منتن الريح ، فيقول : أبشر بالذي يسوؤك ، هذا يومك الذي كنت توعد ، فيقول ( وأنت فبشرك الله بالشر ) من أنت ؟ فوجهك الوجه يجيئ بالشر ؟ فيقول : أنا عملك الخبيث ؟ ( فو الله ما علمت إلا كنت بطيئا عن طاعة الله ، سريعا إلى مصية الله ) ، ( فجزاك الله شرا ، ثم يقيض له أعمى أصم أبكم في يده مرزبة لو ضرب بها جبل كان ترابا ، فيضربه ضربة حتى يصير بها ترابا ، ثم يعيده الله كما كان ، فيضربه ضربة أخرى ، فيصيح صيحة يسمعه كل شئ إلا الثقلين ، ثم يفتح له باب من النار ، يمهد من فرش النار ) . فيقول : رب لا تقم الساعة " . أخرجه أبو داود ( 2/281 ) والحاكم ( 1/37 - 40 ) والطيالسي ( رقم 753وأحمد ( 4/287 ، 288و288و295و296 ) والسياق له والاجري في " الشريعة " ( 367 - 370 ) .
وروى النسائي ( 1/282 ) وابن ماجه ( 1/469 - 470 ) القسم الاول منه إلى قوله : وكأن على رؤوسنا الطير " . وهو رواية لابي داود ( 2/70 ) بأخصر منه وكذا أحمد ( 4/297 ) وقال الحاكم : " صحيح على شرط الشيخين " .
وأقره الذهبي ، وهو كما قالا ، وصححه ابن القيم في " إعلام الموقعين " ( 1/214 ) ، " تهذيب السنن " ( 4/337 ) ، ونقل فيه تصحيحه عن أبي نعيم وغيره16
109 - ويجوز إخراج الميت من القبر لغرض صحيح ، كما لو دفن قبل غسله وتكفينه ونحو ذلك ، لحديث جابر بن عبد الله قال : أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن أبي بعد ما أدخل حفرته ، فأمر به فأخرج ، فوضعه على ركبتيه ، ونفث عليه من ريقه ، وألبسه قميصه ( قال جابر : وصلى عليه ) ، فالله أعلم17 ، وكان كسا عباسا قميصا ) " أخرجه البخاري ( 3/167 ) والسياق مع الزيادة الاخيرة له ، ومسلم ( 8/120 ) والنسائي ( 1/284 ) والزيادة الاولى له ، وابن الجارود ( 260 ) والبيهقي ( 3/402 ) وأحمد ( 3/381 ) من طريق عمرو بن دينار سمعه من جابر .
وله طريق أخرى : عن أبي الزبى عن جابر قال : " لما مات عبد الله بن أبي ، أتي ابنه النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله إن لم تأته لم نزل نعير بهذا ، فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم فوجده قد أدخل في حفرته ، فقال : أفلا قبل إن تدخلوه ؟ فأخرج من حفرته فتفل عليه من قرنه إلى قدمه ، وألبسه قميصه " . أخرجه أحمد ( 3/371 ) والطحاوي في " المشكل " ( 1/14/15 ) بسند على شرط مسلم ، لكن أبو الزبير مدلس وقد عنعه .
110 - ولا يستحب للرجل أن يحفر قبره قبل أن يموت ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعل ذلك هو ولا أصحابه ، والعبد لا يدري أين يموت ، وإذا كان مقصود الرجل الاستعداد للموت ، فهذا يكون من العمل الصالح .
كذا في " الاختيارات العلمية " لشيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى .
*********************
1 وهم الاب وآباؤه ، والابن وأبناؤه : ثم الاخوة الاشقاء ، ثم الذين للاب ، ثم بنوهم ، ثم الاعمام للاب والام ثم للاب ثم بنوهم ، ثم كل ذي رحم محرمه . كذا في " المحلى " ( 5 / 143 ) ، ونحوه في " المجموع " ( 5 / 290 )
2 قلت : وهو والذي قبله من مرسل الشعبي ، شاهد قوي لحديث علي رضى الله عنه .
3 وقد ذهب إلى جواز دفن الرجل لزوجته الشافعية ، بل قالوا : إنه أحق بذلك من أوليائها الذين ذكرنا وعكس ذلك ابن حزم فجعله بعدهم في الاحقية ، ولعله الاقرب لما سبق من عموم الاية
4 أي يجامع كما في " النهاية " ، واستبعد هذا التفسير الطحاوي بدون أي دليل ، فلا يلتفت إليه
5 قال النووي في " المجموع " ( 5 / 289 ) : " هذا الحديث من الاحاديث التي يحتج بها في كون الرجال هم الذين يتوا عن الدفن وإن كان الميت امرأة ، قال : ومعلوم أن أبا طلحة رضي الله عنه أجنبي عن بنات النبي صلى الله عليه وسلم ، ولكنه كان من صالحي الحاضرين ، ولم يكن هناك رجل محرم إلا النبي صلى الله عليه وسلم ، فلعله كان له عذر في نزول قبرها ، وكذا زوجها ، ومعلوم أنها أختها فاطمة وغيرها من محارمها وغيرهن هناك ، فدل على أنه لا مدخل للنساء في إدخال القبر والدفن " . وقال الحافظ في " الفتح " : في الحديث البعيد ايثار البعيد العهد عن الملاذ في مواراة الميت ولو كان امرأة على الاب والزوج ، وقيل : إنما اثره بذلك لانها كانت صنعته ، وفيه نظر ، فإن ظاهر السياق أنه اختاره لذلك لكونه لم يقع منه في تلك الليلة جماع " . قلت : والحديث ظاهر الدلالة على ما ترجمنا له ، وبه قال ابن حزم رحمه الله ( 5 / 144 - 145 ) ، ومن الغرائب أن عامة كتب الفقه التي كنت وقفت عليها ، أو راجعتها بهذه المناسبة لم تتعرض لهذه المسألة ، لا نفيا ولا إثباتا ، وهذا دليل من أدلة كثيرة على أنه لا غنى للفقيه عن كتب السنة خلافا لما يظنه المتعصبة للمذاهب أن كتب الفقه تغني عن كتب الحديث بل وعن كتاب الله تبارك وتعالى عما يقول الظالمون علوا كبيرا ، أنظر " سلسلة لاحاديث
الاحاديث الصحيحة " ( ج 1 ص 128 - 129 طبع المكتب الاسلامي ) .
6 هو حماد بن أبي سليمان من شيوخ أبي حنيفة كما في " فتح القدير " وغيره ، وأقول : بل الظاهر أنه أبو حنيفة نفسه بدليل قول الشافعي الاتي : " حتى روى عن حماد " فهذا صريح أنه غير حماد وإنما هو أبو حنيفة .
7 وما دل عليه هذا الحديث الموقوف ثم المرفوع قبله هو مذهب أحمد وعليه أكثر أصحابه كما في " الانصاف " ( 2 / 544 ) خلافا لحنفية ك ما سبق في كلام الشافعي ، واحتج لهم ابن الهمام بحديث ابن عباس أنه صلى الله عليه وسلم دخل قبرا . . فأخذه من قبل القبلة . . . رواه الترمذي وقال : " حديث حسن " . قال ابن الهمام ( 1 / 470 ) : " من أن فيه الحجاج بن أرطاة ومنها ل بن خليفة ، وقد اختلفوا فيهما ، قال : ذلك يحط الحديث عن درجة الصحيح ، لا الحسن " . قلت : بل ذلك يحطه عن درجة الحسن لان الحجاج مدلس وقد عنعنه ، وحديث المدلس المعنعن غير مقبول عند العلماء وهو أحد الحديثين اللذين ضفهما البيهقي كما سبقت الاشارة الى ذلك في أول المسألة ، ولذلك أنكر النووي ( 5 / 295 ) على الترمذي تحسينه إياه فقال : " لا يقبل قول الترمذي فيه : إنه حسن لان الحجاج بن أرطاة ضعيف باتفاق المحدثين " . وقال الزيلعي : ( 2 / 300 ) بعد أن حكى قول الترمذي : " وأنكر عليه لان مداره على حجاج بن أرطاة ، وهو مدلس ولم يذكر سماعا ، ومنهال ضعفه ابن معين . . . " قلت : فهذا هو الحق عند من ينصف أن هذا الحديث ضعيف وحديث عبد الله بن يزيد صحيح ، ومن الغرائب أن ابن الهمام سلم بصحته ، ولكنه رده من أصله بحجة أنه فعل صحابي ظن السنة ذلك يقول هذا مع أن مذهبه أن قول الصحابي ، السنة كذا في معنى الحديث المسند كما نقلناه عنه في المسألة ( 77 ) ( ص 120 ) وراجع المسإلة ( 73 ) ( ص109 ، 110 ) فقيه رد على نوع آخر من التعصب وتخطئة الصحابة بدون حجة
8 وأما استحباب بعض المتأخرين من الفقهاء أن يقول في الحثية الاولى ( منها خلقناكم ) ، وفي الثانية ( وفيها نعيدكم ) ، وفي الثالثة ( ومنها نخرجكم تارة أخرى ) فلا أصل له في شئ من الاحاديث التي أشرنا إليها في الاعلى : وأما قول النووي ( 5 / 293 - 294 ) : وقد يستدل له بحديث أبي أمامة رضي الله عنه قال : " لما وضعت أم كلثوم بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في القبر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( منها خلقنا كم ، وفيها نعيدكم ، ومنها تخريجكم تارة أخرى ) " ، رواه الامام أحمد من رواية عبيد الله بن زحر عن علي بن زيد بن جدعان عن القاسم ، وثلاثتهم ضعفاء لكن يستأنس بأحاديث الفضائل وإن كانت ضعيفة الاسناد ، ويعمل ها في الترغيب والترهيب ، وهذا مها ، والله أعلم " . فالجواب عليه من وجه : الاول : أن الحديث ليس فيه التفصيل المزعوم استحبابه فلا حجة فيه أصلا لو صح سنده . الثاني : أن التفصيل المذكور لم يثبت في الرع أنه من فضائل الاعمال حتى يقال يعمل بهذا الحديث لانه في فضائل الاعمال ، بل إن تجويز العمل به معناه إثبات مشروعية عمل بحديث ضعيف وذلك لا يجوز لان المشروعية أقل درجاتها الاستحباب : وهو حكم م الاحكام الخمسة التي لا تثبت إلا بدليل صحيح ، ولا يجدي فيها الضعيف باتفاق العلماء . الثالث أن الحديث ضعيف جدا ، بل هو موضوع في نقد ابن حبان ، فإنه في " مسند أحمد " ( 5 / 254 ) من طريق عبيد الله بن زحر عن علي بن يزيد ، وهو الالهاني وقول النووي " علي بن زيد بن جدعان " خطأ ، لمخالفته لما في " المسند " قال ابن حبان : " عبيد الله بن زحر ، يروي الموضوعات عن الاثبات ، وإذا روى عن علي بن يزيد أتي بالطامات ، وإذا اجتمع في إسناد خبر عبيد الله وعلي بن يزيد والقاسم أبو عبد الرحمن لم يكن ذلك الخبر إلا مما عملته أيديهم " ابن حجر في " تبيين العجب فيما ورد في فضل رجب " .
9 قال الشافعي في " الام " ( 1 / 245 - 246 ) ما مختصره : " وأحب أن لا يزاد في القبر تراب من غيره ، لانه إذا زيد ارتفع جدا ، وإنما أحب أن يشخص على وجه الارض شبرا أو نحوه " . ونقل النووي في " المجموع " ( 5 / 296 ) اتفاق أصحاب الشافعي على استحباب الرفع ، بالقدر المذكور
10 وكذا قال ابن القيم في " زاد المعاد " ( 1 / 206 ) ، وضعفه النووي وغيره كما ذكرته في " التعليقات الجياد " ، وقال الصنعاني في " سبل السلام " ( 2 - 161 ) : ثم حققت القول فيه في " سلسلة الاحاديث الضعيفة " ( 599 ) " ويحتمل من كلام أئمة لا تحقيق أنه حديث ضعيف ، والعمل به بدعة ، ولا يغتر بكثرة من يفعله " . ويعجبني منه قوله : " والعمل به بدعة " ، وهذه حقيقة طالما ذهل عنها العلماء ، فإنهم يشرعون بمثل هذا الحديث كثيرا من الامور ويستحبونها اعتمادا منهم على قاعدة " يعمل بالحديث الضعيف في فضائل الاعمال " ولم يتنبهوا إلى أن محلها فيما ثبت بالكتاب والسنة مشروعيته وليس بمجرد الحديث الضعيف ، وقد سبق لهذا مثال في التعليق ( ص 153 ) . وأذكر إن للامام الشاطبي في " الموافقات " كلاما جيدا حول هذه القاعدة فليراجع .
11 بفتح المهملة ما يخلط من لاطيب لاكفان الموتى وأجسامهم خاصة .
12 قلت : هذا هو اسمه في الكتاب والسنة ( ملك الموت ) ، وأما تسميته ( بعزرائيل ) فمما لا أصل له ، خلافا لما هو المشهور عند الناس ، ولعله من الاسرائيليات
13 جمع المسح ، بكسر الميم ، وهو ما يلبس من نسيج الشعر على البدن تقشفا وقهرا للبدن .
14 أي ثقب الابرة ، والجملى هو الحيوان المعروف ، وهو ما أتى عليه تسع سنوات
15 هي كلمة تقال في الضحك وفي الايعاد ، وقد تقال للتوجع ، وهو أليق بمعنى الحديث والله أعلم ، كذا في " الترغيب " .
16 والزيادة الاولى لابي داود وابن ماجه والحاكم ، ، والثانية لاحمد والطيالسي ، والثالثة له والحاكم ، والرابعة لاحد ، والخامسة ، وله السادسة والثامنة ، والسابعة للحاكم ، والثامنة للطيالسي ، والتاسعة لاحمد لابي داود والحادية عشر والثانية عشر للطيالسي ، والثالثة عشر لاحمد والرابعة عشر الطيالسي والخامسة عشر له وكذا أحمد ، والسادسة عشر له أيضا ولاحمد نحوه ، وله السابعة عشر والثامنة عشر والتاسعة عشر والعشرون والواحدة والعشرون ، والحاكم الاخيرتان منها ، والثانية والعرون لاحمد والثالثة والعشرون والخامسة والعشرون للحاكم ، والرابعة والشعرون للطيالسي والسادسة والعشرون لاحمد ، والسابعة والعشرون للطيالسي ، والثامنة والعشرون لابي داود ، والتاسعة والثلاثون للطيالسي ، ، ولاحمد الزيادات الباقية والثالثة والثلاثون منها للطيالسي ولفظها له وأما الرواية الثانية فهي للحاكم ، ولاحمد الثالثة ، وللحاكم والطيالسي الرابعة والخامسة والسادسة .
17 يعني بالحكمة التي من أجلها فعل صلى الله عليه وسلم ذلك بابن أبي مع كونه كان منافقا كما تقدم في المسألة ( 60 ) ، والظاهر أن هذا كان قبل نزول قوله تعالى ( ولا تصل عل يأحد منهم مات أبدا ، ولا تقم على قبره ) الآية ، وحينئذ يمكن فهم الحكمة مما علقناه هناك .
يعني العباس بن عبد المطلب عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وذلك يوم بدر ، لما أتي بالاساري ، وأتى بالعباس ، ولم يكن عليه ثوب ، فوجدوا قميص عبد الله بن أبي ، فكساه النبي صلى الله عليه وسلم إياه ، فلذلك ألبسه النبي صلى الله عليه وسلم قميصه ، هكذا ساقه البخاري في " الجهاد " ، فيمكن أن يكون هذا هو السبب في لباسه
قميصه . ويمكن أن يكون السببب ما أخرجه البخاري أيضا في " الجنائز " أن ابن عبد الله المذكور قال : يا رسول الله ألبس أبي قميصك الذي يلي جلدك ، وفي رواية أنه قال : اعطني قميصك أكفنه فيه - ويمكن أن يكون السبب هو المجموع : السؤال والمكافاة ، ولا مانع من ذلك ، كذا في " نيل الاوطار " ويمكن أن يكون السبب هو المجموع : السؤال والمكافأة ، ولا مانع ما ذلك . كذا في " نيل الاوطار " ( 4 - 97 ) .