تذكــرة المــــوت
الحمد لله الذى أذل بالموت رقاب الجبابرة ، وأنهى بالموت آمال القياصرة فنقلهم الموت من القصور إلى القبور ، ومن ضياء المهود إلى ظلمة اللحود ، ومن ملاعبة الجوارى والنساء وال غلمان إلى مقاساة الهوام والديدان ، ومن التنعم فى ألوان الطعام والشراب إلى التمرغ فى ألوان الوحل والتراب.
أحمدك يا رب واستعينك واستهديك لا أحصى ثناء عليك ، أنت كما اثنيت على نفسك جل ثناؤك وعظم جاهك ، ولا إله غيرك أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، ينادى يوم القيامة بعد فناء خلقه ، ويقول : أنا الملك ، لمن الملك اليوم ، ثم يجيب على ذاته سبحانه وتعالى : لله الواحد القهار سبحانه سبحانه سبحانه ، ذو العزة والجبروت ، سبحان ذى الملك والملكوت ، سبحان الذى لا يموت ، سبحان من كتب الفناء على الخلائق ولا يموت.
وأشهد أن نبينا وحبيبنا محمدا نبيه ورسوله وصفيه من خلقه وخليله ، أدى الأمانة وبلغ الرسالة ونصح الأمة فكشف الله به الغمة ، وجاهد فى الله حق جهاده حتى أتاه اليقين ، وعاش طوال أيامه ولياليه يمشى على شوك الأسى ويخطو على جمر الكيد والعنت يلتمس الطريق لهداية الضالين وإرشاد الحائرين حتى علم الجاهل وقوَّم المعوج وأمَّن الخائف وطمأن القلق ونشرَ أضواءَ الحقِ والخير والتوحيد والإيمان كما تنشر الشمس أضواءها فى سائر الأكوان.
اللهم صلى وسلم وزد وبارك عليه ، رفع الله له ذكره وشرح الله له صدره ، ووضع الله عنه وزره ، وزكاه ربه على جميع الخلق ومع ذلك خاطبه ] إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ[ [الزمر : 30]
اللهم صلى وسلم وزد وبارك عليه وعلى آله وصحبه وأحبابه واتباعه وعلى كل من اقتفى اثره واهتدى بهي واستن بسنته إلى يوم الدين.
أما بعد فيا أيها الأحبة الكرام مع اللقاء الثالث والعشرين وما زلنا فى رحاب الدار الآخرة تلك السلسلة العلمية الجديدة التى تجمع بين المنهجية والرقائق وبين التأصيل العلمى والأسلوب الوعظى ، تبدأ هذه السلسلة بالموت وتنتهى بالجنة ، وقد تحتاج منها هذه السلسلة إلى عام ونصف أو عامين ، إن قدر الله لنا البقاء واللقاء ، أسأل الله عز وجل أن ينفع بها ، وأن يجعلها خالصة لوجهه الكريم ، وأن يجعلنى وأياكم ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، أولئك الذين هداهم الله ، وأولئك هم أولوا الألباب.
تزداد حاجتنا جميعا بلا استثناء من طلاب علم ورجال ونساء تزداد حاجتنا بلا استثناء إلى هذه السلسلة العلمية الجديدة ، لأننا نعيش فى عصر طغت فيه الماديات والشهوات ، وكثرت فيه الفتن والشبهات ، وكثرت فيه المطامع والرغبات ، وكثرت فيه الأهواء والنزوات ، وكثرت فيه واشتدت الفتن والضوائق والكربات ، وتمضى الحياة مسرعة وأهلها فى غفلة مريرة عما هو آت.
نعم أيها الأخوة والأخوات أقوام يأتون وآخرون يرحلون أرحام تدفع وارض تبلع مثلهم كمثلِ أمواج بحر متدفقة متلاحقة إذا انكسرت على الشط موجة تبعتها موجة أخرى ، أو كمثل نهر متدفق تراه دائما يجرى مع أن الماء الذى تراه اللحظة غير الماء الذى تراه قبل لحظة ، وحتماً سيأتى اليوم الذى ينتهى فيه الوجود الإنسانى كله فتنطفئ نجوم الليل وتتوقف مياه البحر بل وتجف مياه العيون والآبار ، ويقوم الجميع ليقفوا بين يدى العزيز الغفار كما قال سبحانه وتعالى : ] يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ[ [إبراهيم : 48]
أيها الأحبة الكرام استهل هذه السلسلة بالحديث اليوم عن الموت فهذه هى المرحلة الأولى فى هذه الرحلة الطويلة ، أيها الأخيار يبين لنا الله جل وعلا الغاية التى ممن أجلها ُخلقنا فقال سبحانه وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات : 56] بل ويبين لنا حقيقة هذه الدنيا الذى جعلها محل اختبار لنا فقال سبحانه : اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً ثُمَّ يَكُونُ حُطَاماً وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ [الحديد : 20].
وأكد الحبيب المصطفى هذه الحقيقة فى حديثه الصحيح الذى رواه الترمذى من حديث سهل بن سعد الساعدى - رضى الله عنه - قال الحبيب : " لو كانت الدنيا تساوى عند الله جناح بعوضة - جناح ذبابة - ما سقى كافرا منها شربة ماء " ([.. الدنيا حقيرة عند الله أعطاها للكافر والمؤمن على السواء لو
كانت الدنيا تساوى عند الله جناح بعوضة ما سقى كافرا منها شربة ماء .. لذا كان المصطفى يوصى أصحابه بعدم الركون والطمأنينة إلى هذه الدار كما أوصى بذلك عبد الله بن عمر - رضى الله عنهما - كما فى صحيح البخارى : " كن فى الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل .." وكان ابن عمر - رضى الله عنه - يقول : إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح ، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء ، وخذ من صحتك لمرضك ومن حياتك لموتك([2]) .. إن لله عباداً فطنا طلقوا الدنيا وخافوا الفتنة .. نظروا فيها فلما علموا أنها ليست لحى
وطنا .. جعلوها لُجَّة واتخذوا صالحَ الأعمالِ فيها سفنا .. فالفطناء العقلاء الأذكياء هم الذين عرفوا حقيقة
الدار فحرثوها وزرعوها ، وفى الآخرة هنالك الثمار ، فالذم الوارد فى الدنيا فى القرآن والسنة لا يرجع إلى زماننا من ليل أو نهار ، فلقد جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يتذكر أو لمن أراد شكورا ، فالذم الوارد فى الدنيا فى القرآن والسنة لا يرجع إلى مكانها إلا وهو الأرض ، إذ إن الله جعل الأرض لبنى آدم سكنا ومستقرا ، والذم الوارد فى الدنيا فى القرآن والسنة لا يرجع إلى ما أودعها الله عز وجل من خيرات ، فهذه الخيرات نعم الله على عباده وعلى الناس ، وإنما الذم الوارد فى القرآن والسنة فى الدنيا يرجع إلى كل معصية تُرتكب على ظهرها فى حق ربنا جل وعلا لابد من تأصيل هذه الفهم لا سيما لإخواننا الدعاة وطلاب العلم الذين ربما يغيب عن أذهانهم حقيقة الزهد فى هذه الحياة الدنيا ، فنحن لا نريد أن نقنط أحدا من هذه الحياة ، لا نريد أن نثبت لكل عامل فى هذه الدنيا ولو كان فى الحلال أنه تجاوز فى طريقه عن طريق الأنبياء والصالحين والأولياء كلا كلا بل الدنيا مزرعة الآخرة.
أيها الأخيار تدبروا معى قول على بن أبى طالب - رضى الله عنه - : الدنيا دار صدق لمن صدقها ، ودار نجاة لمن فهم عنها ، ودار غنى لمن أخذ منها ، الدنيا مهبط وحى الله ومصلى أنبياء الله ومتجر أولياء الله .. فالدنيا مزرعة الآخرة .. وتدبر معى هذا الحديث الصحيح الذى رواه البخارى ومسلم من حديث أنس أنه قال : " ما من مسلم يغرس غرساً أو يزرع زرعا فيأكل منه إنسان أو طير أو بهيمة إلا كان له به صدقة "
لابد من هذا التأصيل وهذا الفهم الدقيق الواعى والعميق لحقيقة الدنيا لتنطلق من هذه الدار إلى دار القرار ، فلابد كى تعبر إلى دار القرار أن تمر بهذه الدار ، فالدنيا دار ممر والآخرة هى دار المقر ، الدنيا هى مركب عبور لا منزل حبور ، الدنيا دار فناء وليست دار بقاء ، لابد من وعى هذه الحقيقة لنستغل وجودنا فى هذا الدار لنزرع هنا ولنجنى هنالك عند ربنا عظيم الثمار ، أسأل الله أن يجعلنى وإياكم من الصادقين.
إذا علمت ذلك أيها الحبيب الكريم فاعلم هذه الحقائق وكن على يقين حازم بأن الحياة فى هذا الدنيا الحبيب الكريم فاعمل هذه الحقائق وكن على يقين جازم بأن الحياة فى هذه الدنيا موقوتة محدودة بأجل ثم تأتى نهايتها حتماً ، فيموت الصالحون ويموت الطالحون، يموت المجاهدون ويموت القاعدون ، يموت الصالحون ويموت الطالحون ، يموت المجاهدون ويموت القاعدون ، يموت المستذلون للعبيد يموت الشرفاء الذين يأبون الضيم ، ويكرهون الذل ويموت الجبناء الحريصون على الحياة بأى ثمن ، الكل يموت كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذى الجلال والإكرام ، لابد من أن تستقر هذه الحقيقة فى القلب والعقل معا ، إنها الحقيقة التى تعلن على مدى الزمان والمكان فى أذن كل سامع وعقل كل مفكر أنه لا بقاء إلى للملك الحى الذى لا يموت ، إنها الحقيقة التى تصبغ البشرية كلها بصبغة الذل والعبودية لقهار السموات والأرض ، إنها الحقيقة التى شرب كأسها الأنبياء والمرسلون بل والعصاة والطائعون إنها الحقيقة الكبيرة التى تؤكد لنا كل لحظة من لحظات الزمن قول الله جل وعلا :كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ [القصص : 88 ]
أيها الحبيب الكريم تذكر هذه الحقيقة ولا تتغافل عنها ؛ إذ أن النبى قد أمرنا أن نكثر من ذكرها كما فى الحديث الذى رواه الترمذى والنسائى والبيهقى والحاكم وغيرهم من حديث ابن عمر أن النبى قال : " أكثروا ذكر هادم اللذات الموت "([3]). إنها الحقيقة التى سماها الله فى قرآنه بالحق فقال جل وعلا : وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ [ق : 19 –21] لا إله إلا الله إن للموت سكرات هلى علمت أن هذه الكلمات قالها حبيب الأرض والسموات وهو يحتضر على فراش الموت ، روى البخارى عن عائشة – رضى الله عنها – قالت : مات رسول الله بين حانقتى وذاقتنى وكان بين يديه وقوة أو علبة بها ماء لكان يمد يده فى داخل الماء بأبى هو وأمى ويمسح
وجهه ويقول : " لا إله إلا الله إن للموت سكرات "([4]) هكذا يقول حبيب الأرض والسموات وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ حبيبك المصطفى يذوق سكرة الموت لا إله إلا الله إن للموت سكرات … وفى رواية الترمذى كان الحبيب يقول : " إن للموت غمرات إن للموت سكرات .. " وفى رواية يدعو الله ويقول :
" اللهم أعنى على سكرات الموت " [5]) (وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ وما أدراك ما السكرات ، وما أدراك ما الكربات ، والله إن الكرب والهم يزداد فى هذه اللحظات فى لحظات السكرات إذا نمت على فراش الموت ، ورأيت فى غرفتك التى أنت فيها دون أن يرى أحد غيرك ، رأيت شيطانا جلس عند رأسك يريد الشيطان أن يضلك عن كلمة لا إله إلا الله ، يريد الشيطان أن يصدك عنها يقول لك الشيطان : مت يهوديا أو يقول لك : مت نصرانيا ، واستدل بعضُ أهلِ العلم على ذاك بصدرِ حديث صحيح رواه الإمام مسلم أنه قال : " إن الشيطان يحضر كل شئ لابن آدم "([6]) بل سئل شيخ الإسلام ابن تيمية فى مجموع الفتاوى فى المجلد الرابع فى الصفحة الخامسة والخمسين بعد المائتين سئل عن مسألة عرض الأديان على العبد فى فراش الموت فقال شيخ الإسلام : من الناس من تعرض عليه الأديان ، ومنهم من لا يعرض عليه شئ قبل موته ثم قال : ولكنها من الفتن التى أمرنا النبى أن نستعيذ بها كما فى قوله " اللهم أنى أعوذ بك من عذاب القبر ومن عذاب جهنم ومن فتنة المحيا والممات ومن فتنة المسيح الدجال ..".
فمن فتنة الممات أن تأتى الشياطينُ لتصدك عن لا إله إلا الله لتصدك عن التوحيد هذه لَمِنْ الكربات ، على ابن آدم ، ولا حول ولا قوة إلا بالله ، هل علمت أخى فى الله أن إمام أهل السنة أحمد حنبل حينما نام على فراش الموت ذهبت إليه الشياطين لتنادى عليه فى هذه اللحظات وهو إمام أهل السنة قال عبد الله ولده : فنظرت إليه فإذا هو يغرق ثم يفيق ثم يشير بيده ويقول : لا بعد ، لا بعد ، فلما افاق الأمام فى لحظة بين السكرات ، سكرات الموت وكرباته قال له ولده عبد الله : يا أبت أقول لا إله إلا الله وأنت ترد وتقول : لا بعد لا بعد ، فقال الأمام أمام أهل السنة يقول له : يا بنى شيطان جالس عند رأسى يقول لقد فتنى فى دنياك ولو فتنى اليوم ما أدركتك بعد اليوم ، وأنا أقول له : لا بعد لا بعد حتى أموت على لا إله إلا الله .. إذا كنت من المؤمنين الصادقين الموحدين المخلصين وجاءتك الشياطين ثبتك رب العالمين ، وأنزل إليك ملائكة التثبيت كما فى حديث البراء بن عازب الصحيح ، وسأذكر الحديث بالتفصيل فى اللقاء المقبل إن شاء الله جل وعلا إلا أن محل الشاهد فيه الآن أن النبى أخبر أن المؤمن إذا نام على فراش الموت جاءته ملائكة نزلت إليه الملائكة بيض الوجوه معهم كفن من أكفان الجنة وحنوط من حنوط الجنة فيجلسون منه مد البصر ، فيأتى ملك الموت فيجلس عند رأسه ، فإذا ما أنتهى الأجل يقول ملك الموت : يا أيتها النفسُ الطيبة أخرجى إلى مغفرةِ من الله ورضوان وأبشرى بروح وريحان ورب غير غضبان فتخرج روحه كما يسيل الماء من فىَ السقاية إلى الله جل وعلا([7])
كما سأفسر ذلك أن شاء الله تعالى هكذا أيها الأحبة يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ تنزل ملائكة التثبيت على الموحدين لرب الأرض والسماء جل وعلا بهذه البشارة التى سجلها ربُنا فى قوله جل وعلا : إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ نُزُلاً مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ [فصلت : 30-32] يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت كما قال ابن عباس – رضى الله عنه – القول الثبات هو لا إله إلا الله فى الحياة الدنيا وفى الآخر ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ والحق أنك تموت والله حى لا يموت وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ والحق أنك ترى عند موتك ملائكة الرحمة أو ملائكة العذاب وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ والحق أن يكون قبرك روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النيران ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ أى ذلك ما كنت منه تهرب وتخاف وتجرى وتفر تحيد إلى الطعام إذا أحسست بالجوع وتحيد إلى الشراب إذا أحسست بالظمأ وتحيد إلى الطبيب إذا أحسست بالمرض ، ولكن ثم ماذا أيها القوى الفتى أيها الذكى العبقرى ، يا أيها الرئيس ، يا أيها الملك ، يا أيها الوزير، يا أيها الصغير ، يا أيها الكبير ، يا أيها الفقير.
كل باك فسيبكى
وكل مذخور .. سيفنى
ليس غير الله يبقى
ليس غير الله يبقى
وكل ناع فسينعى
وكل مذكور سينسى
ليس غير الله يبقى
من علا فالله أعلى
من علا فالله أعلى
أيا من يدعى الفهم
تتبع الذنب بالذنب
أما بان لك العيب
إلى كم يا أخى الوهم
وتخطئ الخطأ الجم
أما أنذرك الشيب
وما فى نصحه ريب
أما نادى بك الموت
أما تخشى من الفوت
فكم تسير فى السهو
وتنفض إلى اللهو
كأنى بك تنحط
وقد أسلمك الرهط
هنالك الجسم ممدود
إلى أن ينخر العود
فزود نفسك الخير
وهيئ مركب السير
بذا أوصيك يا صاح
فطوب لفتى راح
أما أسمعك الصوت
فتحاط وتهتم
وتختال من الزهو
كأن الموت ما عم
إلى اللحد وتتغط
إلى أضيق من سم
ليستأكله الدود
ويمسى العظم قد رم
ودع ما يعقب الضير
وخف من لجة اليم
وقد يُحتك من باح
بآداب محمد يأتم
وصدق الله جلا وعلا إذ يقول : كَلَّا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ [القيامة 26 - 29] ، إذا بلغت الروح الترقوة
وقيل : ] مَنْ رَاقٍ [ من يرقى بروحه ملائكة الرحمة أم ملائكة العذاب وقبل : ] مَنْ رَاقٍ [ من يرقيه من يبذل له الرقية من يبذل له الطلب والعلاج ، فهو من هو ؟! صاحبُ الجاه صاحبُ الأموال والأطيان صاحب الوزارة والسلطات ألتف الأطباء حول هذا متخصص فى جراحة القلب وهذا متخصص فى جراحة المخ والأعصاب وذاك فى
تخصص كذا ، وذاك فى تخصص كذا ، ألتف الأطباء حوله يريدون شيئا ، وربك قدر شيئا آخر ما الذى جرى ؟ ما الذى حدث ؟ يدور الأطباءُ ويبذلون الرقُية والعلاج لكن ملك الملوك قدر شيئا آخر وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ [الأعراف : 34 ] أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ [النساء : 78] قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ [الجمعة : 8] وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ [الأعراف : 34]
لكن حار الأطباء ما الذى جرى ما الذى حدث ؟ لكأنى أنظر عليه وقد أصفر وجهه وشحب لونه وبرد أطرافه وتجعد جلده وبدأ يشعر بزمهرير قارس يزحف إلى أنامل يديه فينظر مرة فى لحظة السكرة والكربة فيجد الغرفة الذى هو فيها تصير فضاء موحشا أو تضيق عليه فتصير كخرم إبرة ، أو ينظر مرة أخرى فيرى أهله يبتعدون عنه ومرة يقتربون اختلطت عليه الأمور والأوراق ، من هذا الذى يقف عند رأسى إنه يعاينه يراه إنه ملك الموت ومَنْ هؤلاء الذين يتنزلون من السماء إنه يرى بعينيه أنها الملائكة !! يا ترى أهى ملائكة الرحمة أم ملائكة العذاب ؟! ماذا سيقول لى ملك الموت؟ هلى سيقول لى : يا أيتها النفس الطيبة أخرجى إلى مغفرة من الله ورضوان أم سيقول لى : أيتها الروح الخبيثة أخرجى إلى سخط من ربك وعذاب فينظر فى الصحوة بين سكرات الموت وإفاقته فينظر ويعىّ من حوله من الأهل والأحباب نظر إليهم نظرة استعطاف ونظرة رجاء ونظرة أمل ، وقال بلسان الحال وربما بلسان المقال : يا أولادى يا أحبابى يا إخوانى ، لا تتركونى وحدى ولا تفردونى فى لحدى ، أنا أبوكم ، أنا الذى بنيت لكم القصور ، أنا الذى عمرت لكم الدور ، أنا الذى نميت لكم التجارة ، فمن منكم يزيد فى عمرى ساعة أو ساعتين افدونى بأموالى ، أفدونى بأعمالكم ما أغنى عنى ماليه هلك عن سلطانيه ، ها هو هارون الرشيد وهو على فراش الموت فنظر إلى جاهه وماله ثم قال : ما أغنى عنى ماليه هلك عنى سلطانيه فقال : أريد أن أرى قبرى الذى سأدفن فيه فحملوا هارون إلى قبره فنظر هارون إلى قبره وبكى ونظر إلى السماء وقال : يا من لا يزول ملكه ارحم من قد زال ملكه .. لا من لا يزول ملكه ارحم من قد زال ملكه ، ما أغنى عنى ماليه هلك عنى سلطانيه أين الجاه أين السلطان ؟! أين المال ؟! أين الأراضى والأطيان ؟ وهنا يعلو صوت الحق فَلَوْلا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لا تُبْصِرُونَ فَلَوْلا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ فَلَوْلا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ تَرْجِعُونَهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّتُ نَعِيمٍ وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ فَسَلامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ[الواقعة 83 : 96] سبحانه ، سبحانه ، سبحانه ، سبحان ذى العزة والجبروت ، سبحانك ، سبحانك يا من ذللت بالموت رقاب الجبابرة ، سبحانك يا من أنهيت بالموت آمال القياصرة ونقلتهم بالموت من القصور إلى القبور ، ومن ضياء المهود إلى ظلمة اللحود ، ومن ملاعبة الجوارى والنساء والغلمان إلى مقاساة الهوام والديدان ومن التنعم فى ألوان الطعام والشراب إلى التمرغ فى ألوان الوحل والتراب
فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ سبحان ربى العظيم كَلَّا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ من يرقى بروحه ومن يأتى له بالطب والعلاجوَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ [القيامة : 26-29] إنه يومُ المرجع إنه يوم العودة انتهت دنياك ، وحتماً ستُعرض على مولاك سأل سليمان بن عبد الملك علما من علماء السلف ويقال له : أبو حازم قال سليمان : يا أبا حازم ما لنا نكره الموت ؟! بل وبعض الناس الآن يتضجر إذا ذُكرِّ بالموت ، وربما يقول لمذكره : ذكرنا بموضع آخر ما وجدت إلا الموت لتذكرنا به فقال سليمان بن عبد الملك لأبى حازم : با أبا حازم ما لنا نكره الموت ، فقال أبو حازم : لأنكم عمرتم دنياكم وخربتم أخراكم فأنتم تكرهون أن تنتقلوا من العمران إلى الخراب ؛ لأنكم عمرتم دنياكم وخربتم أخراكم فأنتم تكرهون أن تنتقلوا من العمران إلى الخراب.
فى هذه الزيارة إلى أمريكا نبهنى أحد الأخوة أن رجلاً من الله عليه بالأموال ، مع ذلك لا يصلى ولا يعرف الكبير المتعال وذهبت لأذكره بالله جل وعلا وهو مسلم عربى ليس أمريكياً فقال لى : يا أخى انا ما أتيت إلى هذه البلاد إلا من أجل الدولار ، وأعدك إن عدتُ إلى بلدى لا أفارق المسجد أبداً قلت : يا سبحان الله ومن ضمن لك يا مسكين أن رجع بلدك ، ومن ضمن لك أن يمر عليك يومُ بكامله ، والله لا تضمن أن تتنفس بعد هذه اللحظات.
دع عنك ما قد فات من زمن الصبا
لم ينسه الملكان حين نسيته
والروح منك وديعة أودعتها
وغرور دنياك التى تسعى لها
الليل فاعلم والنهار كلاهما
واذكر ذنوبك وابكها يا مذنب
بل أثبتاه وأنت لاه تلعب
ستردها بالرغم منك وتسلب
دار حقيقتها متاع يذهب
انفاسنا فيهما تعد وتحسب
يا أبا حازم ما لنا نكره الموت قال أبو حازم : لأنكم عمرتم دنياكم وخربتم أخراكم فأنتم تكرهون أن تنتقلوا من العمران إلى الخراب فقال سليمان بن عبد الملك : يا أبا حازم كيف حالنا عن الله تعالى قال : أعرض نفسك على كتاب الله قال : أين أجده قال فى قوله تعالى : إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ [الانفطار : 13 ، 14] ، قال سليمان : أين رحمة الله يا أبا حازم ، قال أبو حازم : إن رحمة الله قريبٌ من المحسنين فقال سليمان : كيف عرضنا على الله غدا ؟ فقال أبو حازم : أما المحسن فكالعبد الغائب من سفر يقدم على أهله فيستقبله الأهل بفرح والمسئ كالعبد الآبق يقدم على مولاه وفى الصحيحين من حديث عائشة – رضى الله عنها – أن النبى قال : " من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه" ([8]) قالت عائشة – رضى الله عنها - : كراهية الموت لكنا نكره قال : " لا يا
عائشة ولكن المؤمن إذا بشر برحمة الله ورضوانه وجنته أحب لقاء الله وأحب الله لقاءه ، وإن الكافر إذا بشر بسخط الله وعذابه كره لقاء الله وكره الله لقاءه" .. بل وفى صحيح البخارى من حديث أبى سعيد الخدرى – رضى الله عنه – أن النبى قال : " إذا وضعت الجنازة – ندبر هذا الحديث فى البخارى – إذا وضعت الجنازة وحملها الرجال على الأعناق تكلمت تكلمت سمعها كل شئ إلا الإنسان تقول إن كانت صالحة : قدمونى قدمونى – إذا كانت الجنازة صالحة تتكلم وتقول : قدمونى – وإذا كانت غير صالحة تقول : ياويلها يا ويلها إلى أين يذهبون بها " يقول : "يسمعها كل شئ إلا الإنسان " ، ويقول الحبيب و لو سمعها الإنسان لصعق"([9]) أى والله لو سمعت جنازة تقول : قدمونى قدمونى
وسمعت جنازة أخرى لحبيب لك تقول : يا ويلها ويلها إلى أين تذهبون بها.
أيها اللاهى ، أيها اللاهى ، أيها الكبير ، أيها الصغير ، أيها الوزير ، أيها الأمير ، أيها الحقير ، ذكر نفسك قل
يا نفس قد أزف الرحيلُ
فتأهبى يا نفس لا
فا تنزلن بمنزل
وليركبن عليك من
قرن الفنا بنا فلا
وأظلك الخطب الجليل
يلعب بك الأمل الطويل
ينسى الخليل به الخليل
الثرى حمل ثقيل
يبقى العزيز ولا الذليل
واقول قولى هذا واستغفر الله لى ولكم ...
الخطبة الثانية :
الحمد لله رب العالمين ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، واشهد أن محمدا عبده ورسوله ، وصل اللهم وسلم وزد وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأحبابه واتباعه ، وعلى كل من اهتدى يهديه واستن بسنته ، واقتفى أثره إلى يوم الدين.
أما بعد .. هكذا تبدأ رحلتنا فى رحاب الدار الآخرة بالموت بعد ما بينا بإيجار حقيقة الدنيا وتنتهى هذه المرحلة الأولى بالوصول إلى القبر ، وها أناذا أقف بحضراتكم أمام القبر لنرى فى لقائنا المقبل إن شاء الله جل وعلا حقيقة القبر ، وما معنى البرزخ ؟ وما معنى النعيم ؟ وما معنى الجحيم ؟ ولماذا لم يذكر الله عذاب القبر صراحة فى القرآن ؟ وهل ثبتت أحاديث عن النبى ؟ وما هى حقيقة القبر وما هى حقيقة البعث بعد ذلك ؟ لنواصل الرحلة، وأسال الله عز وجل أن ينفعنا بها.
وها أنا ذا أذكر نفسى وإخوانى فى هذه اللحظات بالتوبة إلى رب الأرض والسموات يا من اسرفت على نفسك بالمعاصى ، يا من ضيعت الصلاة فى بيوت الله ، يا من تركت الحجاب الشرعى ، يا من ضيعت الصلاة ، يا من شغلك التلفاز أو الشيطان عن الله عز وجل ، يا من اعرضت عن مجلس العلم وأماكن الطاعة والعبادة ، يا من قضيت عمرك على المقاهى وتركت فرض الله عز وجل تب إلى الله ، والله ستموت وغدا يا مسكين ستتمنى الرجعى حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ [المؤمنون : 99] ، إذا كان كافرا سيتمنى الرجعة وإن كان مسلماً عاصياً سيتمنى الرجعة حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي سبحان لله هو غير متأكد إن كان سيعمل صالحا أو لا يعمل صالحا مع أنه يتمنى على الله أن يعود حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ فيأتيه الجواب كالصفعة على وجهه ] كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ حقيرة كلمة تافهة لا وزن لها عند الله كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ [المؤمنون : 100] تب إلى الله واذكر نفسى وإياك لا تيأس لا تقنط مهما بلغت ذنوبك ، عد إلى الملك مهما بلغت معاصيك اطرق باب الرحمن جل وعلا ، والله لن يغلق الباب فى وجهك ، والله لن يغلق الرحمن الباب فى وجهك ، والله لو ارتكبت الزنا وإن شربت الخمر وإن قتلت ، عد إلى الله فإن الله يتوب على المشرك إن خلع رداء الكفر على عتبة الإسلام إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ [النساء : 48 ، 116] قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [الزمر : 53] فنعاهد ربنا جميعا على التوبة يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [التحريم : 8] ، واذكرك بهذا الحديث الأخير الذى رواه مسلم والترمذى – واللفظ للترمذى – من حديث أنس أن النبى قال: قال الله تعالى فى الحديث القدسى : " يا بن آدم إنك ما دعوتنى ورجوتنى غفرت لك على ما كان منك ولا أبالى … " اسجد لربك شكرا يا من خلقت موحدا وبعث الله إليك محمدا هذا فضل الله علينا : " يا بن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتنى غفرت لك ما كان منك ولا أبالى يا ابن آدم لو أتيتنى بقراب الأرض خطايا ثم لقيتنى لا تشرط بى شيئاً لأتيتك بقرابها مغفرة .. ".
أيها الحبيب ، اجتهد فى الدنيا إن استطعت أن تربح مليونا فافعل بشرطين أن تربح من الحلال وأن تؤدى حق الكبير المتعال اجتهد فى الدنيا وأسرع للآخرة ، أنا لا أريد أن اقنطك من هذه الحية أبداً ، وإنما أريد أن أذكر نفسى واياك أن الدنيا مزرعة للآخرة ، فال ينبغى أن تنشغل بالدار الفانية عن الدار الباقية ، فغدا سترحل عن هذه الحياة ، ولن ينفعك إلى ما قدمت " يتبع الميت ثلاث ماله وأهله وعمله فيرجع أثنان ويبقى واحد يرجع الأهل والمال ويبقى العمل " وينادى عليك هناك فى القبر بلسان الحال رجعوا وتركوك وفى التراب وضعوك وللحساب عرضوك ولو ظلوا معك ما نفعوك ولن يبقى معك إلا عملك مع رحمة الحى الذى لا يموت.
الدعاء
--------------------------------------------------------------------------------
([1]) رواه الترمذى فى الزهد ( 2320) وقال : حديث صحيح غريب.
([2]) رواه البخارى فى الرقاق (6416).
([3]) رواه الترمذى فى الزهد (2307) ، وقال : حديث حسن والنسائى فى الجنائز (4/4) ، وابن ماجه فى الزهد (4258) ، وأحمد (2/293) ، والبيهقى فى الشعب (
826 ، 827 ، 10558 ، 10559 ، 1056) ، والحاكم (4/321) ، وصححه على شرط مسلم ووافقه الذهبى.
([4]) رواه البخارى فى الرقاق (6510).
([5]) رواه الترمذى فى الجنائز (978) ، وابن ماجه فى الجنائز (1623).
([6]) رواه مسلم فى الأشربة (2033 / 135).
([7]) رواه أحمد (4 / 287 ، 296).
([8]) رواه البخارى فى الرقاق (6508) ، ومسلم فى الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار (2683).
([9]) رواه البخارى فى الجنائز (1314 ، 1316) .
الحمد لله الذى أذل بالموت رقاب الجبابرة ، وأنهى بالموت آمال القياصرة فنقلهم الموت من القصور إلى القبور ، ومن ضياء المهود إلى ظلمة اللحود ، ومن ملاعبة الجوارى والنساء وال غلمان إلى مقاساة الهوام والديدان ، ومن التنعم فى ألوان الطعام والشراب إلى التمرغ فى ألوان الوحل والتراب.
أحمدك يا رب واستعينك واستهديك لا أحصى ثناء عليك ، أنت كما اثنيت على نفسك جل ثناؤك وعظم جاهك ، ولا إله غيرك أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، ينادى يوم القيامة بعد فناء خلقه ، ويقول : أنا الملك ، لمن الملك اليوم ، ثم يجيب على ذاته سبحانه وتعالى : لله الواحد القهار سبحانه سبحانه سبحانه ، ذو العزة والجبروت ، سبحان ذى الملك والملكوت ، سبحان الذى لا يموت ، سبحان من كتب الفناء على الخلائق ولا يموت.
وأشهد أن نبينا وحبيبنا محمدا نبيه ورسوله وصفيه من خلقه وخليله ، أدى الأمانة وبلغ الرسالة ونصح الأمة فكشف الله به الغمة ، وجاهد فى الله حق جهاده حتى أتاه اليقين ، وعاش طوال أيامه ولياليه يمشى على شوك الأسى ويخطو على جمر الكيد والعنت يلتمس الطريق لهداية الضالين وإرشاد الحائرين حتى علم الجاهل وقوَّم المعوج وأمَّن الخائف وطمأن القلق ونشرَ أضواءَ الحقِ والخير والتوحيد والإيمان كما تنشر الشمس أضواءها فى سائر الأكوان.
اللهم صلى وسلم وزد وبارك عليه ، رفع الله له ذكره وشرح الله له صدره ، ووضع الله عنه وزره ، وزكاه ربه على جميع الخلق ومع ذلك خاطبه ] إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ[ [الزمر : 30]
اللهم صلى وسلم وزد وبارك عليه وعلى آله وصحبه وأحبابه واتباعه وعلى كل من اقتفى اثره واهتدى بهي واستن بسنته إلى يوم الدين.
أما بعد فيا أيها الأحبة الكرام مع اللقاء الثالث والعشرين وما زلنا فى رحاب الدار الآخرة تلك السلسلة العلمية الجديدة التى تجمع بين المنهجية والرقائق وبين التأصيل العلمى والأسلوب الوعظى ، تبدأ هذه السلسلة بالموت وتنتهى بالجنة ، وقد تحتاج منها هذه السلسلة إلى عام ونصف أو عامين ، إن قدر الله لنا البقاء واللقاء ، أسأل الله عز وجل أن ينفع بها ، وأن يجعلها خالصة لوجهه الكريم ، وأن يجعلنى وأياكم ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، أولئك الذين هداهم الله ، وأولئك هم أولوا الألباب.
تزداد حاجتنا جميعا بلا استثناء من طلاب علم ورجال ونساء تزداد حاجتنا بلا استثناء إلى هذه السلسلة العلمية الجديدة ، لأننا نعيش فى عصر طغت فيه الماديات والشهوات ، وكثرت فيه الفتن والشبهات ، وكثرت فيه المطامع والرغبات ، وكثرت فيه الأهواء والنزوات ، وكثرت فيه واشتدت الفتن والضوائق والكربات ، وتمضى الحياة مسرعة وأهلها فى غفلة مريرة عما هو آت.
نعم أيها الأخوة والأخوات أقوام يأتون وآخرون يرحلون أرحام تدفع وارض تبلع مثلهم كمثلِ أمواج بحر متدفقة متلاحقة إذا انكسرت على الشط موجة تبعتها موجة أخرى ، أو كمثل نهر متدفق تراه دائما يجرى مع أن الماء الذى تراه اللحظة غير الماء الذى تراه قبل لحظة ، وحتماً سيأتى اليوم الذى ينتهى فيه الوجود الإنسانى كله فتنطفئ نجوم الليل وتتوقف مياه البحر بل وتجف مياه العيون والآبار ، ويقوم الجميع ليقفوا بين يدى العزيز الغفار كما قال سبحانه وتعالى : ] يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ[ [إبراهيم : 48]
أيها الأحبة الكرام استهل هذه السلسلة بالحديث اليوم عن الموت فهذه هى المرحلة الأولى فى هذه الرحلة الطويلة ، أيها الأخيار يبين لنا الله جل وعلا الغاية التى ممن أجلها ُخلقنا فقال سبحانه وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات : 56] بل ويبين لنا حقيقة هذه الدنيا الذى جعلها محل اختبار لنا فقال سبحانه : اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً ثُمَّ يَكُونُ حُطَاماً وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ [الحديد : 20].
وأكد الحبيب المصطفى هذه الحقيقة فى حديثه الصحيح الذى رواه الترمذى من حديث سهل بن سعد الساعدى - رضى الله عنه - قال الحبيب : " لو كانت الدنيا تساوى عند الله جناح بعوضة - جناح ذبابة - ما سقى كافرا منها شربة ماء " ([.. الدنيا حقيرة عند الله أعطاها للكافر والمؤمن على السواء لو
كانت الدنيا تساوى عند الله جناح بعوضة ما سقى كافرا منها شربة ماء .. لذا كان المصطفى يوصى أصحابه بعدم الركون والطمأنينة إلى هذه الدار كما أوصى بذلك عبد الله بن عمر - رضى الله عنهما - كما فى صحيح البخارى : " كن فى الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل .." وكان ابن عمر - رضى الله عنه - يقول : إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح ، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء ، وخذ من صحتك لمرضك ومن حياتك لموتك([2]) .. إن لله عباداً فطنا طلقوا الدنيا وخافوا الفتنة .. نظروا فيها فلما علموا أنها ليست لحى
وطنا .. جعلوها لُجَّة واتخذوا صالحَ الأعمالِ فيها سفنا .. فالفطناء العقلاء الأذكياء هم الذين عرفوا حقيقة
الدار فحرثوها وزرعوها ، وفى الآخرة هنالك الثمار ، فالذم الوارد فى الدنيا فى القرآن والسنة لا يرجع إلى زماننا من ليل أو نهار ، فلقد جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يتذكر أو لمن أراد شكورا ، فالذم الوارد فى الدنيا فى القرآن والسنة لا يرجع إلى مكانها إلا وهو الأرض ، إذ إن الله جعل الأرض لبنى آدم سكنا ومستقرا ، والذم الوارد فى الدنيا فى القرآن والسنة لا يرجع إلى ما أودعها الله عز وجل من خيرات ، فهذه الخيرات نعم الله على عباده وعلى الناس ، وإنما الذم الوارد فى القرآن والسنة فى الدنيا يرجع إلى كل معصية تُرتكب على ظهرها فى حق ربنا جل وعلا لابد من تأصيل هذه الفهم لا سيما لإخواننا الدعاة وطلاب العلم الذين ربما يغيب عن أذهانهم حقيقة الزهد فى هذه الحياة الدنيا ، فنحن لا نريد أن نقنط أحدا من هذه الحياة ، لا نريد أن نثبت لكل عامل فى هذه الدنيا ولو كان فى الحلال أنه تجاوز فى طريقه عن طريق الأنبياء والصالحين والأولياء كلا كلا بل الدنيا مزرعة الآخرة.
أيها الأخيار تدبروا معى قول على بن أبى طالب - رضى الله عنه - : الدنيا دار صدق لمن صدقها ، ودار نجاة لمن فهم عنها ، ودار غنى لمن أخذ منها ، الدنيا مهبط وحى الله ومصلى أنبياء الله ومتجر أولياء الله .. فالدنيا مزرعة الآخرة .. وتدبر معى هذا الحديث الصحيح الذى رواه البخارى ومسلم من حديث أنس أنه قال : " ما من مسلم يغرس غرساً أو يزرع زرعا فيأكل منه إنسان أو طير أو بهيمة إلا كان له به صدقة "
لابد من هذا التأصيل وهذا الفهم الدقيق الواعى والعميق لحقيقة الدنيا لتنطلق من هذه الدار إلى دار القرار ، فلابد كى تعبر إلى دار القرار أن تمر بهذه الدار ، فالدنيا دار ممر والآخرة هى دار المقر ، الدنيا هى مركب عبور لا منزل حبور ، الدنيا دار فناء وليست دار بقاء ، لابد من وعى هذه الحقيقة لنستغل وجودنا فى هذا الدار لنزرع هنا ولنجنى هنالك عند ربنا عظيم الثمار ، أسأل الله أن يجعلنى وإياكم من الصادقين.
إذا علمت ذلك أيها الحبيب الكريم فاعلم هذه الحقائق وكن على يقين حازم بأن الحياة فى هذا الدنيا الحبيب الكريم فاعمل هذه الحقائق وكن على يقين جازم بأن الحياة فى هذه الدنيا موقوتة محدودة بأجل ثم تأتى نهايتها حتماً ، فيموت الصالحون ويموت الطالحون، يموت المجاهدون ويموت القاعدون ، يموت الصالحون ويموت الطالحون ، يموت المجاهدون ويموت القاعدون ، يموت المستذلون للعبيد يموت الشرفاء الذين يأبون الضيم ، ويكرهون الذل ويموت الجبناء الحريصون على الحياة بأى ثمن ، الكل يموت كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذى الجلال والإكرام ، لابد من أن تستقر هذه الحقيقة فى القلب والعقل معا ، إنها الحقيقة التى تعلن على مدى الزمان والمكان فى أذن كل سامع وعقل كل مفكر أنه لا بقاء إلى للملك الحى الذى لا يموت ، إنها الحقيقة التى تصبغ البشرية كلها بصبغة الذل والعبودية لقهار السموات والأرض ، إنها الحقيقة التى شرب كأسها الأنبياء والمرسلون بل والعصاة والطائعون إنها الحقيقة الكبيرة التى تؤكد لنا كل لحظة من لحظات الزمن قول الله جل وعلا :كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ [القصص : 88 ]
أيها الحبيب الكريم تذكر هذه الحقيقة ولا تتغافل عنها ؛ إذ أن النبى قد أمرنا أن نكثر من ذكرها كما فى الحديث الذى رواه الترمذى والنسائى والبيهقى والحاكم وغيرهم من حديث ابن عمر أن النبى قال : " أكثروا ذكر هادم اللذات الموت "([3]). إنها الحقيقة التى سماها الله فى قرآنه بالحق فقال جل وعلا : وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ [ق : 19 –21] لا إله إلا الله إن للموت سكرات هلى علمت أن هذه الكلمات قالها حبيب الأرض والسموات وهو يحتضر على فراش الموت ، روى البخارى عن عائشة – رضى الله عنها – قالت : مات رسول الله بين حانقتى وذاقتنى وكان بين يديه وقوة أو علبة بها ماء لكان يمد يده فى داخل الماء بأبى هو وأمى ويمسح
وجهه ويقول : " لا إله إلا الله إن للموت سكرات "([4]) هكذا يقول حبيب الأرض والسموات وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ حبيبك المصطفى يذوق سكرة الموت لا إله إلا الله إن للموت سكرات … وفى رواية الترمذى كان الحبيب يقول : " إن للموت غمرات إن للموت سكرات .. " وفى رواية يدعو الله ويقول :
" اللهم أعنى على سكرات الموت " [5]) (وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ وما أدراك ما السكرات ، وما أدراك ما الكربات ، والله إن الكرب والهم يزداد فى هذه اللحظات فى لحظات السكرات إذا نمت على فراش الموت ، ورأيت فى غرفتك التى أنت فيها دون أن يرى أحد غيرك ، رأيت شيطانا جلس عند رأسك يريد الشيطان أن يضلك عن كلمة لا إله إلا الله ، يريد الشيطان أن يصدك عنها يقول لك الشيطان : مت يهوديا أو يقول لك : مت نصرانيا ، واستدل بعضُ أهلِ العلم على ذاك بصدرِ حديث صحيح رواه الإمام مسلم أنه قال : " إن الشيطان يحضر كل شئ لابن آدم "([6]) بل سئل شيخ الإسلام ابن تيمية فى مجموع الفتاوى فى المجلد الرابع فى الصفحة الخامسة والخمسين بعد المائتين سئل عن مسألة عرض الأديان على العبد فى فراش الموت فقال شيخ الإسلام : من الناس من تعرض عليه الأديان ، ومنهم من لا يعرض عليه شئ قبل موته ثم قال : ولكنها من الفتن التى أمرنا النبى أن نستعيذ بها كما فى قوله " اللهم أنى أعوذ بك من عذاب القبر ومن عذاب جهنم ومن فتنة المحيا والممات ومن فتنة المسيح الدجال ..".
فمن فتنة الممات أن تأتى الشياطينُ لتصدك عن لا إله إلا الله لتصدك عن التوحيد هذه لَمِنْ الكربات ، على ابن آدم ، ولا حول ولا قوة إلا بالله ، هل علمت أخى فى الله أن إمام أهل السنة أحمد حنبل حينما نام على فراش الموت ذهبت إليه الشياطين لتنادى عليه فى هذه اللحظات وهو إمام أهل السنة قال عبد الله ولده : فنظرت إليه فإذا هو يغرق ثم يفيق ثم يشير بيده ويقول : لا بعد ، لا بعد ، فلما افاق الأمام فى لحظة بين السكرات ، سكرات الموت وكرباته قال له ولده عبد الله : يا أبت أقول لا إله إلا الله وأنت ترد وتقول : لا بعد لا بعد ، فقال الأمام أمام أهل السنة يقول له : يا بنى شيطان جالس عند رأسى يقول لقد فتنى فى دنياك ولو فتنى اليوم ما أدركتك بعد اليوم ، وأنا أقول له : لا بعد لا بعد حتى أموت على لا إله إلا الله .. إذا كنت من المؤمنين الصادقين الموحدين المخلصين وجاءتك الشياطين ثبتك رب العالمين ، وأنزل إليك ملائكة التثبيت كما فى حديث البراء بن عازب الصحيح ، وسأذكر الحديث بالتفصيل فى اللقاء المقبل إن شاء الله جل وعلا إلا أن محل الشاهد فيه الآن أن النبى أخبر أن المؤمن إذا نام على فراش الموت جاءته ملائكة نزلت إليه الملائكة بيض الوجوه معهم كفن من أكفان الجنة وحنوط من حنوط الجنة فيجلسون منه مد البصر ، فيأتى ملك الموت فيجلس عند رأسه ، فإذا ما أنتهى الأجل يقول ملك الموت : يا أيتها النفسُ الطيبة أخرجى إلى مغفرةِ من الله ورضوان وأبشرى بروح وريحان ورب غير غضبان فتخرج روحه كما يسيل الماء من فىَ السقاية إلى الله جل وعلا([7])
كما سأفسر ذلك أن شاء الله تعالى هكذا أيها الأحبة يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ تنزل ملائكة التثبيت على الموحدين لرب الأرض والسماء جل وعلا بهذه البشارة التى سجلها ربُنا فى قوله جل وعلا : إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ نُزُلاً مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ [فصلت : 30-32] يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت كما قال ابن عباس – رضى الله عنه – القول الثبات هو لا إله إلا الله فى الحياة الدنيا وفى الآخر ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ والحق أنك تموت والله حى لا يموت وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ والحق أنك ترى عند موتك ملائكة الرحمة أو ملائكة العذاب وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ والحق أن يكون قبرك روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النيران ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ أى ذلك ما كنت منه تهرب وتخاف وتجرى وتفر تحيد إلى الطعام إذا أحسست بالجوع وتحيد إلى الشراب إذا أحسست بالظمأ وتحيد إلى الطبيب إذا أحسست بالمرض ، ولكن ثم ماذا أيها القوى الفتى أيها الذكى العبقرى ، يا أيها الرئيس ، يا أيها الملك ، يا أيها الوزير، يا أيها الصغير ، يا أيها الكبير ، يا أيها الفقير.
كل باك فسيبكى
وكل مذخور .. سيفنى
ليس غير الله يبقى
ليس غير الله يبقى
وكل ناع فسينعى
وكل مذكور سينسى
ليس غير الله يبقى
من علا فالله أعلى
من علا فالله أعلى
أيا من يدعى الفهم
تتبع الذنب بالذنب
أما بان لك العيب
إلى كم يا أخى الوهم
وتخطئ الخطأ الجم
أما أنذرك الشيب
وما فى نصحه ريب
أما نادى بك الموت
أما تخشى من الفوت
فكم تسير فى السهو
وتنفض إلى اللهو
كأنى بك تنحط
وقد أسلمك الرهط
هنالك الجسم ممدود
إلى أن ينخر العود
فزود نفسك الخير
وهيئ مركب السير
بذا أوصيك يا صاح
فطوب لفتى راح
أما أسمعك الصوت
فتحاط وتهتم
وتختال من الزهو
كأن الموت ما عم
إلى اللحد وتتغط
إلى أضيق من سم
ليستأكله الدود
ويمسى العظم قد رم
ودع ما يعقب الضير
وخف من لجة اليم
وقد يُحتك من باح
بآداب محمد يأتم
وصدق الله جلا وعلا إذ يقول : كَلَّا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ [القيامة 26 - 29] ، إذا بلغت الروح الترقوة
وقيل : ] مَنْ رَاقٍ [ من يرقى بروحه ملائكة الرحمة أم ملائكة العذاب وقبل : ] مَنْ رَاقٍ [ من يرقيه من يبذل له الرقية من يبذل له الطلب والعلاج ، فهو من هو ؟! صاحبُ الجاه صاحبُ الأموال والأطيان صاحب الوزارة والسلطات ألتف الأطباء حول هذا متخصص فى جراحة القلب وهذا متخصص فى جراحة المخ والأعصاب وذاك فى
تخصص كذا ، وذاك فى تخصص كذا ، ألتف الأطباء حوله يريدون شيئا ، وربك قدر شيئا آخر ما الذى جرى ؟ ما الذى حدث ؟ يدور الأطباءُ ويبذلون الرقُية والعلاج لكن ملك الملوك قدر شيئا آخر وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ [الأعراف : 34 ] أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ [النساء : 78] قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ [الجمعة : 8] وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ [الأعراف : 34]
لكن حار الأطباء ما الذى جرى ما الذى حدث ؟ لكأنى أنظر عليه وقد أصفر وجهه وشحب لونه وبرد أطرافه وتجعد جلده وبدأ يشعر بزمهرير قارس يزحف إلى أنامل يديه فينظر مرة فى لحظة السكرة والكربة فيجد الغرفة الذى هو فيها تصير فضاء موحشا أو تضيق عليه فتصير كخرم إبرة ، أو ينظر مرة أخرى فيرى أهله يبتعدون عنه ومرة يقتربون اختلطت عليه الأمور والأوراق ، من هذا الذى يقف عند رأسى إنه يعاينه يراه إنه ملك الموت ومَنْ هؤلاء الذين يتنزلون من السماء إنه يرى بعينيه أنها الملائكة !! يا ترى أهى ملائكة الرحمة أم ملائكة العذاب ؟! ماذا سيقول لى ملك الموت؟ هلى سيقول لى : يا أيتها النفس الطيبة أخرجى إلى مغفرة من الله ورضوان أم سيقول لى : أيتها الروح الخبيثة أخرجى إلى سخط من ربك وعذاب فينظر فى الصحوة بين سكرات الموت وإفاقته فينظر ويعىّ من حوله من الأهل والأحباب نظر إليهم نظرة استعطاف ونظرة رجاء ونظرة أمل ، وقال بلسان الحال وربما بلسان المقال : يا أولادى يا أحبابى يا إخوانى ، لا تتركونى وحدى ولا تفردونى فى لحدى ، أنا أبوكم ، أنا الذى بنيت لكم القصور ، أنا الذى عمرت لكم الدور ، أنا الذى نميت لكم التجارة ، فمن منكم يزيد فى عمرى ساعة أو ساعتين افدونى بأموالى ، أفدونى بأعمالكم ما أغنى عنى ماليه هلك عن سلطانيه ، ها هو هارون الرشيد وهو على فراش الموت فنظر إلى جاهه وماله ثم قال : ما أغنى عنى ماليه هلك عنى سلطانيه فقال : أريد أن أرى قبرى الذى سأدفن فيه فحملوا هارون إلى قبره فنظر هارون إلى قبره وبكى ونظر إلى السماء وقال : يا من لا يزول ملكه ارحم من قد زال ملكه .. لا من لا يزول ملكه ارحم من قد زال ملكه ، ما أغنى عنى ماليه هلك عنى سلطانيه أين الجاه أين السلطان ؟! أين المال ؟! أين الأراضى والأطيان ؟ وهنا يعلو صوت الحق فَلَوْلا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لا تُبْصِرُونَ فَلَوْلا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ فَلَوْلا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ تَرْجِعُونَهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّتُ نَعِيمٍ وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ فَسَلامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ[الواقعة 83 : 96] سبحانه ، سبحانه ، سبحانه ، سبحان ذى العزة والجبروت ، سبحانك ، سبحانك يا من ذللت بالموت رقاب الجبابرة ، سبحانك يا من أنهيت بالموت آمال القياصرة ونقلتهم بالموت من القصور إلى القبور ، ومن ضياء المهود إلى ظلمة اللحود ، ومن ملاعبة الجوارى والنساء والغلمان إلى مقاساة الهوام والديدان ومن التنعم فى ألوان الطعام والشراب إلى التمرغ فى ألوان الوحل والتراب
فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ سبحان ربى العظيم كَلَّا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ من يرقى بروحه ومن يأتى له بالطب والعلاجوَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ [القيامة : 26-29] إنه يومُ المرجع إنه يوم العودة انتهت دنياك ، وحتماً ستُعرض على مولاك سأل سليمان بن عبد الملك علما من علماء السلف ويقال له : أبو حازم قال سليمان : يا أبا حازم ما لنا نكره الموت ؟! بل وبعض الناس الآن يتضجر إذا ذُكرِّ بالموت ، وربما يقول لمذكره : ذكرنا بموضع آخر ما وجدت إلا الموت لتذكرنا به فقال سليمان بن عبد الملك لأبى حازم : با أبا حازم ما لنا نكره الموت ، فقال أبو حازم : لأنكم عمرتم دنياكم وخربتم أخراكم فأنتم تكرهون أن تنتقلوا من العمران إلى الخراب ؛ لأنكم عمرتم دنياكم وخربتم أخراكم فأنتم تكرهون أن تنتقلوا من العمران إلى الخراب.
فى هذه الزيارة إلى أمريكا نبهنى أحد الأخوة أن رجلاً من الله عليه بالأموال ، مع ذلك لا يصلى ولا يعرف الكبير المتعال وذهبت لأذكره بالله جل وعلا وهو مسلم عربى ليس أمريكياً فقال لى : يا أخى انا ما أتيت إلى هذه البلاد إلا من أجل الدولار ، وأعدك إن عدتُ إلى بلدى لا أفارق المسجد أبداً قلت : يا سبحان الله ومن ضمن لك يا مسكين أن رجع بلدك ، ومن ضمن لك أن يمر عليك يومُ بكامله ، والله لا تضمن أن تتنفس بعد هذه اللحظات.
دع عنك ما قد فات من زمن الصبا
لم ينسه الملكان حين نسيته
والروح منك وديعة أودعتها
وغرور دنياك التى تسعى لها
الليل فاعلم والنهار كلاهما
واذكر ذنوبك وابكها يا مذنب
بل أثبتاه وأنت لاه تلعب
ستردها بالرغم منك وتسلب
دار حقيقتها متاع يذهب
انفاسنا فيهما تعد وتحسب
يا أبا حازم ما لنا نكره الموت قال أبو حازم : لأنكم عمرتم دنياكم وخربتم أخراكم فأنتم تكرهون أن تنتقلوا من العمران إلى الخراب فقال سليمان بن عبد الملك : يا أبا حازم كيف حالنا عن الله تعالى قال : أعرض نفسك على كتاب الله قال : أين أجده قال فى قوله تعالى : إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ [الانفطار : 13 ، 14] ، قال سليمان : أين رحمة الله يا أبا حازم ، قال أبو حازم : إن رحمة الله قريبٌ من المحسنين فقال سليمان : كيف عرضنا على الله غدا ؟ فقال أبو حازم : أما المحسن فكالعبد الغائب من سفر يقدم على أهله فيستقبله الأهل بفرح والمسئ كالعبد الآبق يقدم على مولاه وفى الصحيحين من حديث عائشة – رضى الله عنها – أن النبى قال : " من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه" ([8]) قالت عائشة – رضى الله عنها - : كراهية الموت لكنا نكره قال : " لا يا
عائشة ولكن المؤمن إذا بشر برحمة الله ورضوانه وجنته أحب لقاء الله وأحب الله لقاءه ، وإن الكافر إذا بشر بسخط الله وعذابه كره لقاء الله وكره الله لقاءه" .. بل وفى صحيح البخارى من حديث أبى سعيد الخدرى – رضى الله عنه – أن النبى قال : " إذا وضعت الجنازة – ندبر هذا الحديث فى البخارى – إذا وضعت الجنازة وحملها الرجال على الأعناق تكلمت تكلمت سمعها كل شئ إلا الإنسان تقول إن كانت صالحة : قدمونى قدمونى – إذا كانت الجنازة صالحة تتكلم وتقول : قدمونى – وإذا كانت غير صالحة تقول : ياويلها يا ويلها إلى أين يذهبون بها " يقول : "يسمعها كل شئ إلا الإنسان " ، ويقول الحبيب و لو سمعها الإنسان لصعق"([9]) أى والله لو سمعت جنازة تقول : قدمونى قدمونى
وسمعت جنازة أخرى لحبيب لك تقول : يا ويلها ويلها إلى أين تذهبون بها.
أيها اللاهى ، أيها اللاهى ، أيها الكبير ، أيها الصغير ، أيها الوزير ، أيها الأمير ، أيها الحقير ، ذكر نفسك قل
يا نفس قد أزف الرحيلُ
فتأهبى يا نفس لا
فا تنزلن بمنزل
وليركبن عليك من
قرن الفنا بنا فلا
وأظلك الخطب الجليل
يلعب بك الأمل الطويل
ينسى الخليل به الخليل
الثرى حمل ثقيل
يبقى العزيز ولا الذليل
واقول قولى هذا واستغفر الله لى ولكم ...
الخطبة الثانية :
الحمد لله رب العالمين ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، واشهد أن محمدا عبده ورسوله ، وصل اللهم وسلم وزد وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأحبابه واتباعه ، وعلى كل من اهتدى يهديه واستن بسنته ، واقتفى أثره إلى يوم الدين.
أما بعد .. هكذا تبدأ رحلتنا فى رحاب الدار الآخرة بالموت بعد ما بينا بإيجار حقيقة الدنيا وتنتهى هذه المرحلة الأولى بالوصول إلى القبر ، وها أناذا أقف بحضراتكم أمام القبر لنرى فى لقائنا المقبل إن شاء الله جل وعلا حقيقة القبر ، وما معنى البرزخ ؟ وما معنى النعيم ؟ وما معنى الجحيم ؟ ولماذا لم يذكر الله عذاب القبر صراحة فى القرآن ؟ وهل ثبتت أحاديث عن النبى ؟ وما هى حقيقة القبر وما هى حقيقة البعث بعد ذلك ؟ لنواصل الرحلة، وأسال الله عز وجل أن ينفعنا بها.
وها أنا ذا أذكر نفسى وإخوانى فى هذه اللحظات بالتوبة إلى رب الأرض والسموات يا من اسرفت على نفسك بالمعاصى ، يا من ضيعت الصلاة فى بيوت الله ، يا من تركت الحجاب الشرعى ، يا من ضيعت الصلاة ، يا من شغلك التلفاز أو الشيطان عن الله عز وجل ، يا من اعرضت عن مجلس العلم وأماكن الطاعة والعبادة ، يا من قضيت عمرك على المقاهى وتركت فرض الله عز وجل تب إلى الله ، والله ستموت وغدا يا مسكين ستتمنى الرجعى حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ [المؤمنون : 99] ، إذا كان كافرا سيتمنى الرجعة وإن كان مسلماً عاصياً سيتمنى الرجعة حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي سبحان لله هو غير متأكد إن كان سيعمل صالحا أو لا يعمل صالحا مع أنه يتمنى على الله أن يعود حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ فيأتيه الجواب كالصفعة على وجهه ] كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ حقيرة كلمة تافهة لا وزن لها عند الله كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ [المؤمنون : 100] تب إلى الله واذكر نفسى وإياك لا تيأس لا تقنط مهما بلغت ذنوبك ، عد إلى الملك مهما بلغت معاصيك اطرق باب الرحمن جل وعلا ، والله لن يغلق الباب فى وجهك ، والله لن يغلق الرحمن الباب فى وجهك ، والله لو ارتكبت الزنا وإن شربت الخمر وإن قتلت ، عد إلى الله فإن الله يتوب على المشرك إن خلع رداء الكفر على عتبة الإسلام إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ [النساء : 48 ، 116] قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [الزمر : 53] فنعاهد ربنا جميعا على التوبة يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [التحريم : 8] ، واذكرك بهذا الحديث الأخير الذى رواه مسلم والترمذى – واللفظ للترمذى – من حديث أنس أن النبى قال: قال الله تعالى فى الحديث القدسى : " يا بن آدم إنك ما دعوتنى ورجوتنى غفرت لك على ما كان منك ولا أبالى … " اسجد لربك شكرا يا من خلقت موحدا وبعث الله إليك محمدا هذا فضل الله علينا : " يا بن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتنى غفرت لك ما كان منك ولا أبالى يا ابن آدم لو أتيتنى بقراب الأرض خطايا ثم لقيتنى لا تشرط بى شيئاً لأتيتك بقرابها مغفرة .. ".
أيها الحبيب ، اجتهد فى الدنيا إن استطعت أن تربح مليونا فافعل بشرطين أن تربح من الحلال وأن تؤدى حق الكبير المتعال اجتهد فى الدنيا وأسرع للآخرة ، أنا لا أريد أن اقنطك من هذه الحية أبداً ، وإنما أريد أن أذكر نفسى واياك أن الدنيا مزرعة للآخرة ، فال ينبغى أن تنشغل بالدار الفانية عن الدار الباقية ، فغدا سترحل عن هذه الحياة ، ولن ينفعك إلى ما قدمت " يتبع الميت ثلاث ماله وأهله وعمله فيرجع أثنان ويبقى واحد يرجع الأهل والمال ويبقى العمل " وينادى عليك هناك فى القبر بلسان الحال رجعوا وتركوك وفى التراب وضعوك وللحساب عرضوك ولو ظلوا معك ما نفعوك ولن يبقى معك إلا عملك مع رحمة الحى الذى لا يموت.
الدعاء
--------------------------------------------------------------------------------
([1]) رواه الترمذى فى الزهد ( 2320) وقال : حديث صحيح غريب.
([2]) رواه البخارى فى الرقاق (6416).
([3]) رواه الترمذى فى الزهد (2307) ، وقال : حديث حسن والنسائى فى الجنائز (4/4) ، وابن ماجه فى الزهد (4258) ، وأحمد (2/293) ، والبيهقى فى الشعب (
826 ، 827 ، 10558 ، 10559 ، 1056) ، والحاكم (4/321) ، وصححه على شرط مسلم ووافقه الذهبى.
([4]) رواه البخارى فى الرقاق (6510).
([5]) رواه الترمذى فى الجنائز (978) ، وابن ماجه فى الجنائز (1623).
([6]) رواه مسلم فى الأشربة (2033 / 135).
([7]) رواه أحمد (4 / 287 ، 296).
([8]) رواه البخارى فى الرقاق (6508) ، ومسلم فى الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار (2683).
([9]) رواه البخارى فى الجنائز (1314 ، 1316) .