حق الأجيال فى التعرف على اليهود
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا.
من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادى له، وأشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله وصفيه من خلقه وخليله، أدى الأمانة وبلغ الرسالة ونصح للأمة فكشف الله به الغمة، وجاهد فى الله حق جهاده حتى أتاه اليقين، فاللهم أجزه عنا خير ما جزيت نبياً عن أمته ورسولاً عن دعوته ورسالته، وصل اللهم وسلم وزد وبارك عليه وعلى آله وصحبة وأحبابه وأتباعه وعلى كل من اهتدى بهديه واستن بسنته واقتفى أثره إلى يوم الدين.
أما بعد ...
فحياكم الله جميعاً وطبتم جميعاً وطاب ممشاكم، وتبوأتم من الجنة منزلاً، وأسأل الله العظيم الحليم الكريم جل وعلا الذى جمعنا فى هذا البيت المبارك الطيب على طاعته أن يجمعنا فى الآخرة مع سيد الدعاة المصطفى فى جنته ودار كرامته، إنه ولى ذلك والقادر عليه.
أحبتى فى الله ... (حقوق يجب أن تعرف) سلسلة منهجية تحدد الدواء من القرآن والسنة لهذا الداء العضال الذى استشرى فى جسد الأمة ألا وهو داء الإنفصام النكد بين منهجيا المنير وواقعها المؤلم المرير، فأنا لا أعرف زماناً قد انحرفت فيه الأمة عن منهج ربها ونبيها كهذا الزمان، فأردت أن أذكر نفسى وأمتى لعلها أن تسمع من جديد عن الله عز وجل، ولعلها أن تسمع من جديد عن رسول الله لعلها أن تحول هذا المنهج المنير فى حياتها إلى منهج حياة وتردد مع الصادقين السابقين الأولين قولتهم الخالدة: { سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} (285) سورة البقرة .
ونحن اليوم بحول الله ومدده على موعد مع اللقاء السابع عشر من لقاءات هذه السلسلة الكريمة وعلى موعد مع حق كبير جليل أراه الآن من حقوق الساعة وربما أشعر بالخيانة إذا لم أوضحه الآن فى هذا الظرف الحرج الذى تمر به الأمة أى وهو حق الأجيال فى التعرف على اليهود.
فأعيرونى القلوب وألأسماع فإن هذا الموضوع موضوع الساعة بلا نزاع، وكما تعودت حتى لا ينسحب بساط الوقت من تحت أقدامنا فسوف ينتظم حديثى مع حضراتكم فى هذا الموضوع المهم فى العناصر الآتية:
أولاً: حقيقة اليهود.
ثانياً: لماذا انتصر اليهود؟
ثالثاً: وسيهزم اليهود.
فأعيرونى القلوب والأسماع فإن هذا الموضوع موضوع الساعة بلانزاع.
أولاً: حقيقة اليهود:
اليهود منذ البداية ايها المسلمون هم نسل الأسباط الأثنى عشر ليوسف وإخوته على نبينا وعليه الصلاة والسلام نزحوا إلى مصرنا هذه إلى بلدنا مصر بدعوة من نبى الله يوسف واستقر بها بنو إسرائيل- وإسرائيل هو نبى الله يعقوب- واستقر بمصر بنو إسرائيل وتواصى الأسباط فيما بينهم ألا يندمجوا مع الشعب المصرى حتى يبقى لكل سبط نسله المتميز المعروف، فنبذ المصريون بنى إسرائيل منذ اللحظات الأولى لما شعر به المصريون من كبر واستعلاء من قبلهم، وازدادت العداوة يوما بعد يوم بين المصريين وبين بنى إسرائيل ونسلهم المتكاثر المتميز حتى سام بنى إسرائيل فرعون مصر سوء العذاب إلى أن بعث الله عز وجل نبيه موسى إلى فرعون فى مصر هذه بقوله تعالى: {اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى} (17) سورة النازعات وسورة طه: (24) فوجد بنو إسرائيل فى موسى حبل النجاة فآمنوا به عليه الصلاة والسلام، لعل الله أن ينجيهم من فرعون وملئه، فنجاهم الله من فرعون الذى سامهم سوء العذاب، فاستحيا نساءهم وذبح صغارهم بل وشق الله لبنى إسرائيل طريقا فى البحر يبسا ونجاهم جميعا وأهلك فرعون وملأه.
قال تعالى فى سياق الامتنان بهذه النعمة العظيمة على بنى إسرائيل قال تعالى: {وَإِذْ نَجَّيْنَاكُم مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوَءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءكُمْ وَفِي ذَلِكُم بَلاء مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ * وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ} (49 ، 50) سورة البقرة وكان من الواجب على نسل بنى إسرائيل أن يعبدوا الله عز وجل وأن يزدادوا طاعة له ولنبيه موسى، ولكنهم عاندوا بعد أن أنزل الله عليهم المن والسلوى وأكرمهم غاية الإكرام ذهب نبى الله موسى لمناجاة ومناداة ربه جل جلاله، فأخذ بنو إسرائيل عجلا ذهبيا فعبدوه من دون الرب العلى، فقال لهم نبى الله هارون: {وَلَقَدْ قَالَ لَهُمْ هَارُونُ مِن قَبْلُ يَا قَوْمِ إِنَّمَا فُتِنتُم بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي * قَالُوا لَن نَّبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى } (90، 91) سورة طـه فلما رجع نبى الله موسى قالوا: {وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ} (55) سورة البقرة .
ومع ذلك بعثهم الله جل وعلا من بعد موتهم مرة أخرى لعلهم يذكرون الله ويتوبون إليه، ولكنهم ازدادوا كفرا وعناداً وطغيانا فلما سألهم نبى الله موسى أن يدخلوا معه الأرض المقدسة وقال: {يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ المُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ وَلاَ تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنقَلِبُوا خَاسِرِينَ} (21) سورة المائدة فأبى بنو إسرائيل أن يدخلوا الأرض المقدسة، وزعموا أن فيها قوماً جبارين لا يقدرون على قتالهم ثم قالوا لنبى الله موسى: {قَالُواْ يَا مُوسَى إِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا أَبَدًا مَّا دَامُواْ فِيهَا فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ} (24) سورة المائدة .
ثم تاب الله عز وجل عليهم بعد ما عاقبهم بالتيه فى الأرض أربعين سنة ودخلوا الأرض المقدسة مرة أخرى، ولكنهم ازدادوا عناداً وطغياناً وبدلوا قولا غير الذى قيل لهم، وسأل نبى الله موسى ربه أن يقبضه إلى جوار الأرض المقدسة بعد ما تعب من معالجة بنى إسرائيل، فاستجاب الله لنبيه موسى فقبضه الله عز وجل إلى جوار الأرض المقدسة بمقدار رمية حجرين والحديث فى الصحيحين من حديث أبى هريرة، وفيه يقول نبينا المصطفى
: " فلو كنت ثم – أى : لو كنت هنالك- لأريتكم قبره إلى جانب الطريق عند الكثيب الأحمر" ([1]) ثم توالت عليهم الأنبياء والمرسلون فكذبوا فريقا من الأنبياء وقتلوا فريقا آخر:قال تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِن بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ أَفَكُلَّمَا جَاءكُمْ رَسُولٌ بِمَا لاَ تَهْوَى أَنفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ * وَقَالُواْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ } (87 ، 88) سورة البقرة أى : غلفت فى أغلفة الكفر بعد أغلفة الكبر والعناد: { وَقَالُواْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَل لَّعَنَهُمُ اللَّه بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلاً مَّا يُؤْمِنُونَ} (88) سورة البقرة .
ثم أرسل الله إليهم نبيه عيسى على نبينا وعليه الصلاة والسلام ، وكان من المنتظر أن يصحح اليهود خطأهم وأن يوحدوا ربهم وأن يطيعوا رسولهم الذى أرسله الله جل وعلا ، ولكنهم ازدادوا عناداً فاتهموا عيسى ابن مريم منذ اللحظات الأولى بأنه ولد زنا بل وخططوا لقتل نبى الله عيسى بل أعلنوا ذلك بكل الوقاحة والسفاهة قال تعالى حكاية عنهم: {وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِن شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا} (157) سورة النساء.
بل سجلوا افتراءاتهم الخبيثة الحقيرة على نبى الله عيسى سجلوها فى كتابهم الفاجر الجنسى الفاضح المسى بالتلمود، وأكتفى بذكر فقرة واحدة من فقرات هذا التلمود الخبيث تقول بالحرف الواحد: يسوع النصارى- يعنى عيسى يسوع النصارى- موجود فى لجات الجحيم، بل بين الزفت والقطران والنار وإن أمة مريم قد أتت به من الزنا.
وهكذا سلط الله عليهم من يمزقهم شر ممزق فسلط عليهم الرومان فمزقهم الرومانيون وشتتوهم فى الأرض شراذم متبعثرة كتبعثر الفئران، وكانت مدينة الحبيب المصطفى ممن ابتليت بشرذمة من هذه الشراذم، فسكن اليهود مدينة المصطفى بل وراحوا يفخرون على الأوس والخزرج بأنهم ينتظرون نبى آخر الزمان ذلك النبى الذى بشرت به التوراة يعرفون صفته ويعرفون أرض مبعثه ويعرفون أرض هجرته، وراحوا يمتنون على الأوس والخزرج، فإنهم سيؤمنون بهذا النبى ليعيد لهم مجد داود وملكه، فلما بعث الله نبينا محمد من العرب وليس من اليهود، ناصب اليهود رسول الله العداء من اللحظة الأولى فمن أول لحظة هاجر فيها الرسول من مكة إلى المدينة، وانطلق إليه عبد الله بن سلام حبر من أحبار اليهود الأعظم أى : عالم اليهود الكبير يقول عبد الله بن سلام: فلما نظرت إلى جهه النبى عرفت أنه ليس بوجه كذاب، فشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله . فقلت: إنى سائلك عن شئ لا يعرفه إلا نبى فقال المصطفى : سل".
فقال عبد الله بن سلام: ما أول طعام يأكله أهل الجنة؟ وأسألك عن أول علامات الساعة؟ وأسألك متى ينزع الولد إلى أبيه أو إلى أمه؟ فقال النبى : " أخبرنى بهن جبريل آنفا نزل على الآن، وأما أول أشراط الساعة فنار تخرج من المشرق تحشر الناس من المشرق إلى المغرب، وأما أول ما يأكله أهل الجنة فزيادة كبد الحوت، وأما الشبه إلا علا ماء الرجل ماء المرأة أذكر بإذن الله وإذا علا ماء المرأة ماء الرجل أنثى
بإذن الله".
وفى لفظ "إذا سبق ماء الرجل ماء المرأة أذكرا بإذن الله وإذا سبق ماء المرأة ماء الرجل أنثا بإذن الله " فقال عبد الله بن سلام: أشهد انك رسول الله.
وقال للرسول: يا رسول الله، إن اليهود قوم بهت أهل ظلم ينكرون الحقائق، فاكتم عنهم خبر إسلامى وسلهم عنى، فجمع النبى بطون اليهود وقال لهم: "ما تقولون فى عبد الله بن سلام؟" قالوا: سيدنا وأبن سيدنا وحبرنا وابن حبرنا.
فقام عبد الله بن سلام إلى جوار رسول الله فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله .
فرد اليهود الكلاب المجرمون على لسان وقلب رجل واحد فى حق عبد الله ابن سلام قالوا: سفيهنا وابن سفيهنا وجاهلنا وابن جاهلنا ([2]) .
هذه طبيعة اليهود منذ اللحظات الأولى لم يتغيروا ولن تتغير فهذه جبلة اليهود التى لم تفارقهم ولن تفارقهم إلا إذا تخلت الأفاعى عن سمومها وتخلت الحمير عن نهيقها، وتخلت الثعالب عن مكرها حينئذ قد يتخلى اليهود عن نقض العهود، وهذا محال فجبلتهم نقض العهود، وعلى الكذب والتضليل والتزييف والإفساد فى الأرض عالجهم الأنبياء والرسل أشد المعالجة، ولكنهم فى كل مرة يزدادون عنادا وكبرا وكفرا وطغيانا، فاستحقوا اللعنة من الله عز وجل وقال سبحانه: {فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَنَسُواْ حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُواْ بِهِ وَلاَ تَزَالُ تَطَّلِعُ
عَلَىَ خَآئِنَةٍ مِّنْهُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمُ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ
الْمُحْسِنِينَ} (13) سورة المائدة
أى : لا تزال اليهود على خيانة بعد خيانة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، ففى هذه اللحظة ناصب اليهود العداء لرسول الله والإسلام، ولكن النبى قد نصره الله تبارك وتعالى على المشركين فى غزوة بدر الكبرى نصراً مؤزرا فانطلق إلى اليهود فجمعهم فى سوق بنى قينقاع، وقال لهم حينما أثاروا فتنة حقيرة للتقليل من شأن النصر الإسلامى، وراحوا يؤلبون المشركين فى مكة للثأر من محمد وأصحابه، انطلق إليهم رسول الله ، وقال لهم: يا معشر اليهود أسلموا فأنتم تعلمون أنى النبى الذى قد بشرت به التوراة". والحديث رواه أبو داود بسند حسنه الحافظ ابن حجر: " يا معشر اليهود أسلموا فأنتم تعلمون أنى النبى الذى قد بشرت به التوراة قبل أن يصيبكم ما أصاب قريشا" . فرد اليهود بكبر وعنجهية واستعلاء وقالوا: يا محمد لا يغرنك من نفسك أنك قاتلت أقواما أغماراً لا يعرفون القتال، فإنك لو قاتلتنا لعرفت إننا نحن القوم وإنك لم تلق مثلنا([3]) فتركهم رسول الله ثم حاصرهم فى شوال فى السنة الثانية من الهجرة خمس عشرة ليلة حتى أخزاهم الله وأجلاهم رسول الله وغنم المسلمون أموالهم ثم طردوهم خارج الجزيرة إلى أذرعات الشام.
وفى السنة الرابعة من الهجرة تآمر يهود بنى النضير على البشير النذير يوم أن ذهب إليهم رسول الله ليسألهم أن يساهموا معه فى دية وكان بينه وبينهم عهد وميثاق فقالوا: نعم نحن نساهم معك فى ذلك يا محمد ثم جلسوا أو أجلسوا النبى إلى جوار جدار بيت لرجل منهم ثم خلا بعضهم ببعض، وقالوا: لن تجدوا الرجل فى مثل هذه الحالة، فمن يقوم منكم لسطح هذه الدار ليلقى بصخرة على رأسه ليريحنا فانبعث أشقاهم: عمرو بن جحاش وصعد إلى السطح ليلقى بصخرة على رأس المصطفى ولكن هيهات، فلقد وعده ربه بقوله: { وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ } (67) سورة المائدة فأخبر الله نبيه المصطفى بهذه المؤامرة الحقيرى الدنيئة فقام المصطفى مسرعاً وأخبر أصحابه بهذا المخطط الغادر الآثم فانطلق الصحابة مع رسول الله وحاصروا يهود بنى النضير حصاراً طويلاً حتى أخزاهم الله عز وجل وغنم المسلمون أموالهم وأجلاهم رسول الله وأصحابه وفيهم نزلت سورة الحشر بأسرها وفيها يقول ربنا جل وعلا: {هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِن دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنتُمْ أَن يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُم مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم مِّنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ * وَلَوْلَا أَن كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْجَلَاء لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابُ النَّارِ * ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَن يُشَاقِّ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}
الحشر: 2 – 4).
وفى السنة الخامسة . انظروا إلى المؤامرات لعب يهود بنى قريظة دوراً من أخطر الأدوار وأحقر الأدوار، فلقد حاصر المشركون من الأحزاب المدينة من كل ناحية، وابتلى المؤمنون وزلزلوا زلزالاً شديداً، يوم سمع المصطفى وأصحابه أن يهود بنى قريظة داخل المدينة قد نقضوا العهد مع رسول الله، تصور معى المشركون يحاصرون المدينة من كل ناحية وترك النبى اليهود داخل المدينة وترك معهم النساء والأطفال فبينه وبين اليهود عهد وميثاق، ولكن اليهود فى الوقت الحرج بعدما ألبوا قبائل المشركين للإنتقام من محمد وأصحابه وعدوهم بأن يساعدوهم وأن يقفوا معهم فى أصعب الأوقات، وبالفعل نقض اليهود العهود مع المصطفى وشكلوا تحدياً خطيراً داخل المدينة لا سيما وقد خرج رسول الله مع كل أصحابه لصد هذا الحصار الرهيب من المشركين حول المدينة وتركوا الأطفال والأموال بداخلها وهنا قال المنافقون : ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا وابتلى المؤمنون وزلزلوا زلزالا شديداً حتى قام المصطفى يتضرع إلى الله: " اللهم منزل الكتاب سريع الحساب إهزم الأحزاب، اللهم اهزمهم وزلزلهم".
والحديث فى الصحيحين من حديث عبد الله بن أبى أوفى([4]) فاستجاب الله دعاء نبيه فأرسل اله
جنداً من عنده {وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ } (31) سورة المدثر فأرسل الله الريح، فاقتلعت الريح خيام المشركين وكفأت الريح قدورهم، وقذف الله الرعب فى قلوبهم، فانطلقوا وتبعثروا فى أرض الجزيرة كتبعثر الفئران ، ونصر الله عبده، وأعز الله جنده، وهزم الله الأحزاب وحده، هزم الأحزاب وحده جل جلاله بالريح فقط. {وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ } .
متى ستعرف الأمة ربها؟
متى ستعرف الأمة أن الأمريكان والروس والأوروبيين لا يعجزون رب العالمين {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} (82) سورة يــس
ولكن الأمة لا تستحق الآن أن تتدخل لها هذه الأسباب والسنن الربانية لنصرتها، لأنها تخلت عن منهج رب البرية ومنهج سيد البشرية .
وإن الله سنناً ربانية فى الكون لا تتبدل ولا تتغير ولا تحابى هذه السنن أحداً من الخلق بحال مهما أدعى لنفسه من مقومات المحاباة.
استجاب الله دعاء نبيه وهزم الأحزاب وحده، وبمجرد أن دخل النبى بيته بعدها طرد الله الأحزاب وتبعثروا كما ذكرت وإذ بالمصطفى يرى جبريل عليه السلام ينزل إليه وهو يلبس لباس الحرب، ويقول جبريل للمصطفى: أو قد وضعت سلاحك فإن الملائكة لم تضع أسلحتها، فقم انهض بمن معك إلى يهود بنى قريظة- أى: الذين نقضوا العهد داخل المدينة- فإنى سائر أمامك.
يقول جبريل للمصطفى: فإنى سائر أمامك لأقذف الرعب فى قلوبهم ولأزلزل حصونهم. والحديث فى الصحيحين. ([5]) .
فأرسل المصطفى من ينادى من كان طائعاً مطيعاً فلا يصلين العصر إلا فى بنى قريظة فانطلق الأطهار مع نبينا المختار وحاصر المصطفى يهود بنى قريظة حصاراً طويلاً لمناعة حصونهم وقوتها، ولكن المصطفى فى يوم من الأيام نزل يهود بنى قريظة على حكم سعد بن معاذ رضى الله عنه وأرضاه، فبدأ حكم سعد بن معاذ الذى جىء به- وهو سيد الأنصار الذى سأل ربه أن يحييه حتى يشهد نهاية بنى قريظة فاستجاب الله عز وجل له- وجىء به فقالوا: رضينا بحكم سعد بن معاذ فحكم سعد بن معاذ بقتل الرجال وسبى الذرية وتقسيم الأموال فقال له سيد الرجال : والذى نفسى بيده لقد حكمت فيهم بحكم الله من فوق سبع سماوات". وأجلى الله يهود بنى قريظة.
وفى السنة السابعة لعب يهود خيبر دورا فى منتهى القذارة والحقارة، فخرج إليهم رسول الله مع أصحابة وحاصروهم حصاراً طويلاً جداً، فكانت حصون خيبر أمنع الحصون فى المدينة كلها وطال الحصار، وفى يوم من الأيام قال النبى المختار: لأعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله يفتح الله على يديه". أى يفتح الله على يديه حصون خيبر.
من هذا البطل الذى يحب الله ورسوله؟ وهذه مسألة عادية، ولكن انظر:" ويحبه الله ورسوله" حتى تطلع كل الصحابة للإمارة والقيادة فى هذا اليوم قال عمر ابن الخطاب رضوان الله عليه وأرضاه قال: والله ما أحببت الإمارة إلا يومئذ، والله ما تطلعت إلى الأمارة إلا يومها رجاء أن أعطاها.
رجا عمر أن يعطيه رسول الله الراية فى هذا اليوم، وفى اليوم التالى وقفت الجيوش ونادى رسول الله على القائد الذى يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله، والذى سيفتح الله على يديه حصون خيبر المنيعة، فسأل المصطفى وقال: "أين على بن أبى طالب؟"-يا لها من كرامة ومنقبة لعلى، أراها أعظم كراماته- فقالوا: لم يأت اليوم لم يحضر اليوم للقتال قال: " ولم؟ أرسلوا إليه". قالوا: يا رسول الله إنه يشكو وجعاً فى عينيه. فقال رسول الله : " أرسلوا إليه". فأرسلوا إليه، فمسح النبى فدعا له فبرئ، وكأن لم يكن بهما وجع. الحديث فى الصحيحين.
ثم أعطاه الراية فقال: علام أقاتلهم يا رسول الله قال: "حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فوالذى نفس محمد بيده لأن يهدى الله بك رجلا واحداً خير لك من حمر النعم" ([6]) . فانطلق
على وسرعان ما فتح عليه الرب العلى ويومها هتف الحبيب النبى: "الله اكبر خرجت خيبر. الله أكبر خربت خيبر. إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين".
أسأل الله أن يعجل بهذا اليوم الذى يهتف فيه الموحدون، الله أكبر خربت دولة يهود، وما ذلك على الله بعزيز.
ولم ينته اليهود المجرمون عند هذا الحد بل دسوا السم فى شاة للمصطفى فى خيبر، ليقتلوا رسول الله بالسم، ولكن الله نجاه، ولم ينتبه العنكبوت اليهودى من نسج خيوطه وحبك مؤامرته الحقيرة التى بلغت أوجها فى العصر الحديث فى إفراز هذه الغدة السرطانية الخبيثة فى قلب العالم الإسلامى فوق الثرى الطاهر فوق مسرى الحبيب محمد فى الأرض المقدسة المباركة التى باركها الله وقدسها وأدخلها رسول الله فى مقدسات المسلمين ليلة الإسراء قال سبحانه: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ } (1) سورة الإسراء وقال تعالى : {وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ} (71) سورة الأنبياء وقال تعالى: {يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ المُقَدَّسَةَ } (21) سورة المائدة.
وضع المجرمون اليهود هذا المولود اللقيط على هذه الأرض الطاهرة، فوق هذه الأرض المباركة ، وذلك بعد نجاحهم فى إسقاط الخلافة، وأرجو من شبابنا وأجيالنا أن يتعرفوا على هذا التاريخ وحقائقه، لأن التاريخ الذى يدرس لأبنائنا وبناتنا فى الجامعات مزور ومحرف فى كثير من جزئياته، لأكون منصفا عادلاً، زور التاريخ فى معظم مراحله ونقل التاريخ المزور هذا لأبنائنا وبناتنا، وما زال يدرس لهم فى الجامعات والمرحلة الثانوية، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
نجح اليهود فى إسقاط الخلافة بعد القضاء على السلطان البطل السلطان العثمانى عبد الحميد. طيب الله ثراه هذا البطل الذى شوه تاريخه وزور، لأنه أبى أن يسلم لليهود شبراً واحدا فى أرض فلسطين، ذهب إليه اليهودى الماسونى (قره سو) وقال
له: إننى مندوب إلى جلالتكم عن الجمعية الماسونية لأرجو جلالتكم أن تقبلوا خمسة ملايين ليرة ذهيبة لخزينتكم الخاصة- إنتبه إلى أسلوب اليهود فى كل زمان ومكان
الذى لا يتغير.
إننى مندوب إلى جلالتكم عن الجمعية الماسونية لأرجو جلالتكم أن تقبلوا خمسة ملايين ليرة ذهبية لخزينتكم الخاصة، ومائة مليون ليرة ذهبية لخزينة الدولة على أن تمنحوا لنا بعض الامتيازات فى دولة فلسطين.
فالتفت السلطان إلى الجلساء فى مجلسه وقال: أو ما كنتم تعرفون ما يريده هذا الخنزيز؟ أو ما كنتم تعرفون ما يريده هذا الخنزيز؟ ثم التفت إليه وقال: أخرج أيها السافل فخرج، ولكن اليهود لا يعرفون اليأس فعاد السلطان فى المرة الثانية مؤسس الصهيونية الأول (تيودور هرتزل) بصحبة الحاخام اليهودى الكبير (موسى ليفى) فلما دخلا على السطان وعرضا عليه أن يبيع لهم أرض فلسطين بأى ثمن فقال السلطان كلاما عجيباً.
قال لمؤسس الصهيونية الأول تيودر هرتزل قال: إن الأرض قد امتلكها شعبى ورواها بدمه وهى لا تباع إلا بنفس الثمن، فخرج (تيودور هرتزل) فقال السلطان: انصحوا الدكتور (هرتزل) ألا يتخذ خطوات جديدة فى هذا السبيل فإن الأرض ليست ملكى وإنما هى ملك شعبى، وقد رواها بدمه ثم قال: فإن مزقت إمبراطوريتى يوماً، فإن اليهود يستطيعون أن يأخذوا فلسطين بلا أى ثمن، ثم قال: إننى لا أوافق أن تبتر فلسطين من إمبراطوريتى ، إننى لا أوافق، إن عمل المبضع فى بدنى أهون على من أرى
فلسطين تبتر فى إمبراطوريتى ثم قال أيضاً: أنا لا أوافق على أن تشرح أجسادنا
ونحن على قيد الحياة.
ولكن اليهود لم ييأسوا فأرادوا أن يزيحوا هذه الصخرة من طريقهم، واستطاعوا عن طريق إثارة النعرات القومية، وهذا مكمن خطير لابد من الالتفات إليه، فالنعرات القومية هى التى شتت الأمة فى العصر الحديث، فإن الأمة الآن أصبحت غثاء من النفايات البشرية تعيش على ضفاف مجرى الحياة الإنسانية كدول أو كدويلات متناثرة متصارعة تفصل بينها حدود جغرافية مصطنعة ونعرات قومية جاهلية، وترفرف على سمائها رايات القومية الوطنية، وتحكم الأمة قوانين الغرب العلمانية، وتدور بالأمة الدوامات السياسة، فلا تملك الأمة نفسها عن الدوران بل ولا تختار لنفسها حتى المكان الذى ستدور فيه ذلت بعد عزة وجهلت بعد علم، وضعفت قوة لما شتت العدو شمل الأمة بإثارة هذه النعرات.
أنظر إلى واقع الدول الإسلامية، الآن انظر إلى مسمار الحدود القذر العفن بين كل دولتين تراه صراعاً رهيباً بين كل دولتين على الحدود، ثم انظر إلى النعرات التى مزقت شمل أفغانستان، فاستطاع اليهود من خلال هذا السلوك أن ينفذوا إلى جمعية الاتحاد والترقى بتلك الجمعية الماسونية اليهودية بعدما لمعوا (كمال أتاتورك) الذى مثل رأس الأفعى اليهودية للقضاء على الخلافة الإسلامية فعزل السلطان عبد الحميد، وتولى (كمال أتاتورك) المجرم الخائن الذى سقطت الخلافة فى عهده، وراح ليلغى أى أثر للإسلام حتى أنه ألغى الأذان باللغة العربية، وألزم العلماء أن يخلعوا العمائم من على رؤوسهم وأن يلبسوا القبعة اليهودية إلى هذا الحد، وزال ظل الخلافة وظهر الوعد المشؤوم (وعد بلفور) عام 1917 بإنشاء وطن قومى لليهود على أرض فلسطين ، وفى عام 48 حركة خيانية مفضوحة بمساعدة الشرق الملحد والغرب الكافر والأنظمة العربية الضالعة فى الخيانة، استطاع اليهود أن يستولوا على ما يزيد على 78% من هذه الأراضى المقدسة المباركة ولا حول ولا قوة إلا بالله، والسؤال المرير الآن حتى لا أطيل لماذا انتصر اليهود؟. وهذا هو عنصرنا الثانى.
لماذا انتصر اليهود؟
والجواب فى كلمات قليلة حتى لا ينسى شبابنا وطلابنا وأبناؤنا هذا الجواب. الجواب فى كلمات قليلة كما قال الله تعالى: { إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ } (11) سورة الرعد وقال تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ وَأَنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} (53) سورة الأنفالوالأمة غيرت وبدلت انحرفت عن منهج ربها وعن سنة نبيها ، فاستسلمت لهذه المؤامرة الحقيرة الخطيرة التى حبكت .
--------------------------------------------------------------------------------
(1) رواه البخارى فى الجنائز (1339)، ومسلم فى الفضائل (2372 / 157).
(1) رواه البخارى فى أحاديث الأنبياء (3329)، وفى مناقب الأنصار (3938)، وفى التفسير (4480).
(1) رواه أبو داود فى الإمارة (3001) ، وسنده حسن.
(1) رواه البخارى فى الجهاد (2933 ، 2965 ، 2966) وفى المغازى (4115) وفى الدعوات (6392) وفى التوحيد (7489) ومسلم فى الجهاد (1742).
(2) رواه البخارى فى الجهاد (2813)، وفى المغازى (4118 ، 4122)، ومسلم فى الجهاد
(1769 / 65).
(1) رواه البخارى فى الجهاد والسير (2942)، ومسلم فى فضائل الصحابة (2405 ، 2406).